تعقيب على تعقيب الدعبل: أتحدث عن الميناء.. لا طريق الحرير ولا الرحاحلة
عدنان السيد محمد العوامي
عندما قرأتُ تعقيب الأستاذ حسن دعبل على ما كتبتُه في صحيفة (صُبْرة) الإلكترونية، عن ميناء القطيف، سررت للغاية، ومبعث سروري توقع ما لعلَّني أستفيده من التعقيب؛ إضافةً، أو تصحيحًا لمعلومة أو رأي، فهلم نستعرض ما تفضل به الأستاذ الدعبل أخذًا بمقولة (الحقيقة بنت البحث):
استهل الأستاذ الدعبل تعقيبَه بقوله: “في إشارة عابرة لما يكتبه الشاعر والمؤرخ عدنان العوامي عن تاريخ ميناء أو فرضة القطيف، وما شهدته من أحداث لم تذكر، أو يكتب عنها” كذا.
فإذا كانت تلك الأحداث “لم تذكر، و لم يكتب عنها”، أفلا يعني هذا – لمن يحسن القراءة على الأقل – أنها من اختراعي؟ بل وحتى المصادر التي استندت إليها، هي، أيضًا، مخترعة؟ أم إن إحالاتي على المراجع لا تعني نقلي عنها، واعتمادي عليها؟
ثانيًا – عرَّج في تعقيبه آنف الذكر على (طريق الحرير)، ولست أفهم الغرض من هذه الانعطافة، فطريق الحرير، كما هو معروف، طريق برِّي تاريخي، يمتدُّ من مدينة (تشان غان) عاصمة الصين، إلى أوروبا، عبر آسيا الوسطى، وقد استخدم – منذ القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن السادس عشر – للتجارة ونقل البضائع الصينية، وأشهرها الحرير (وهو سبب التسمية)، إلى باقي بلدان العالم القديم، وبقي مستخدماً حتى القرن السادس عشر، ثم استبدل بالطريق البحري، بعد ما عرف بحِقبة الثورة الصناعية، ويمتد قسم منه عبر ثلاث دول هي الصين، كازخستان، وأوزبكستان[1]. فأين ميناء القطيف من هذا الطريق؟
أما اطلاعي المتواضع فلم يقنعني بما قرأتُه من مزاعم تدِّعي وصول بعض تجار عمان واليمن إلى الصين، ومرد هذا التردد في قبول تلك الروايات إما إلى غلبة الأساطير والخرافات عليها، أو نسبة شخوصها إلى مجاهيل، كما في رحلة السيرافي، فقد نسخ أحداث الرحلات السبع الواردة في قصص(السندباد البحري، الشخصية المشهورة في قصص ألف ليلة وليلة) وادَّعاها لنفسه[2]، وفي هذا السياق يُذكر ابن بطُّوطة، أيضًا، وقد كان لي معه وقفة سابقة يمكن الرجوع إليها في موضعها[3].
ثالثًا – إشارته لقيام الملك الساساني (أردشير بن بابك) بهدم ذلك الطريق”متوِّجه بجداره على أنقاض جماجم وأجساد“. لم أفهم أيَّ طريق ذلك الذي خربه وهدمه أردشير، وتوَّجه بالجماجم والأجساد، وحبذا لو تفضل ببيانه، وبيان صلته بميناء القطيف، مع ذكر المصدر الذي استند إليه فيه.
رابعًا: قوله: “وقد ذكر الشاعر العوامي آل رحال أو جمعة بن رحال بأنه واحد من تجار اللؤلؤ في القطيف اضطر إلى الهروب إلى البحرين، لكن الوثائق تذكر أن هذه الأسرة التي تسمى “الرحاحلة“، أو آل بن رحال أسرة لها شهرة واسعة في تجارة اللؤلؤ، أي طواويش، وفي الوثائق والأرشيف البرتغالي يرد ذكر خبر عن التاجر محمد بن رحال كأحد طواويش اللؤلؤ وتجارته، وتذكر أيضًا أن لهذه الأسرة مكانتها وسمعتها في في هذه التجارة في البحرين والقطيف”.
“لكن”، هذه التي استدرك بها على كلامي توحي بأنني أغفلت ما ذكرته تلك الوثائق البرتغالية عن الأسرة؛ ولو أن الأستاذ دقق أو قارن ما ذكرته بما في تلك الوثائق لم يقع في ما وقع فيه، فلا أنا ولا الوثيقة التي استندت إليها تعرضت لأسرة “آل بن رحال” من قريب ولا بعيد، إنَّ ما قلته بالنص هو: “حادثة أخرى تكشف عنها رسالة عثمانية مؤرَّخة في 18 رمضان 967هـ تتحدث عن أنَّ مصطفى باشا هذا كان قد صادر أموال أحد تجار اللؤلؤ الأثرياء من أهالي القطيف، واسمه جمعة بن رحال (سماه مترجم الرسالة جمعة بن رمال)؛ فاضْطُّر إلى الفرار إلى البحرين، مصطحبًا معه جميع سفن الغوص، وتجار اللؤلؤ؛ مما تسبب في شل تجارة اللؤلؤ في القطيف([4]).
نستفيد من هذه الحادثة أن الميناء ما زال محتفظًا بأهميته حتى تلك الحقبة”.
فأين هم الرحاحلة، وآل ابن رحال؟ ثُمَّ أين هي الوثائق التي تجيز إضافة هؤلاء الرحاحلة، وآل بن رحال” إلى نص الوثيقة التي استندت إليها؟ هذا عما يتصل >بالرحاحلة آل ابن رحال<، أما قوله: >وفي الوثائق والأرشيف البرتغالي يرد ذكر خبر عن التاجر محمد بن رحال كأحد طواويش اللؤلؤ وتجارته، وتذكر أيضًا أن لهذه الأسرة مكانتها وسمعتها في هذه التجارة في البحرين والقطيف، ولكن بعد هجرتهم إلى البحرين من القطيف هربًا غاب ذكرهم في الذاكرة والنسيان، وأرشيف الوثائق والمدونيين<.
مثل هذه الإضافات بوسعه أن يضيفها هو فيما لو أحب أن يكتب عنها فيعدها في عداد الطواويش (تجار اللؤلؤ) كما بإمكانه أن يصف محمد بن رحال كأحد طواويش اللؤلؤ وتجارته، وأن يعد أسرته ذات مكانة وسمعة في تجارة اللؤلؤ في البحرين والقطيف، وأن يكتفي بالإحالة على الوثائق والأرشيف البرتغالي إحالة عائمة لا مصدر لها ولا توثيق، أما أنا فليس لدي إلا ما ذكرتْه الوثيقة العثمانية التي سمَّت تاجر اللؤلؤ القطيفي: “جمعة بن رحال”، كذلك الوثيقة البرتغالية فهي لم تشر إلا إلى زعيمٍ من زعماء الأحساء هو محمد بن رحال، ومعه زعيم آخر اسمه محمد بن مسلم([5])، ولم تذكر أيَّ شيء عن أسرتيهما، ولا سمعتهما، ولا حرفتيهما سوى أنهما زعيمان من الأحساء, فحبذا لو تفضل الأستاذ الدعبل فذكر مصدره في اعتبارهما من الطوايش.
همسة إلكترونية للأستاذ الدعبل، شاكرًا وممتنًّا له نعتي بالمؤرخ، ولست به يقينًا، وإن كنت ملتزمًا كما المؤرخ ملزم بعدم إقحام رأيي في الأحداث إلا في حدود التفسير والتعليل بلا إضافات ولا زيادات.
تحياتي للأستاذ الدعبل ولصحيفة صبرة، وكادرها، وقرائها الأفاضل.
——————
[1] https://bit.ly/2NWOcP3
[2]رحلة السيرافي، أبي زيد، الحسن، تحقيق عبد الله الحبشي، المجمع الثقافي، أبو ظبي الطبعة الأولى، 1999، المقدمة.
[3] – أخطاء وأوهام شائعة (3)، في أدب الرحلات، عدنان السيد محمد العوامي، مجلة الواحة، بيروت،ع: 19، الربع الأخير، عام 2000م.
—————
([4])وثائق تاريخية عن صيد اللؤلؤ في البحرين، د. علي أبا حسين، وب. ك. نارين، مجلة الوثيقة العدد:10جمادى الأولى 1987م، ص: 121، حكم موجه إلى أمير أمراء الأحساء.
([5])مساهمة المصادر والوثائق البرتغالية في كتابة تاريخ البحرين، خلال النصف الأول من القرن السادس عشر، أحمد بو شرب، مجلة الوثيقة، سبق ذكره، الملحق الثاني، ص: 133 – 135.
الموضوع السابق
دعبل معقِّباً على العوامي: “الرحاحلة” أسرة لؤلؤ أهملها التاريخ