معصومة آل سيد أحمد.. خطيبة من آخر جيل “ملّايات الدسمال” تركت كتبها ملفوفة في "دسمال".. وسيرة محاطة بإجلال
الجارودية: فاطمة المحسن
ظروف احترازات فيروس كورونا؛ لم تسمح بإعطائها الحق اللائق يوم موتها. وإلا لكان يوم تشييعها مشهوداً، على الأٌقلّ في مسقط رأسها الجارودية.
السيدة معصومة بنت السيد رضي بن السيد كاظم آل سيد أحمد.. المعروفة في بلدتها بكُنيتها “أم علوي السيد حبيب”.. معلمة.. ملّاية.. ربة منزل.. أمّ لـ 9 من الأبناء و4 من البنات أنجبتهم من السيد حبيب إبراهيم آل السيد ناصر.
.. وجهٌ عرفته نساء البلدة لأكثر من خمسين سنة، عاشت 78 سنة.. وتعاقبت عليه أجيال من فتيات الجارودية، و “اوليداتها”، من بداية تهجئة “جزءِ عمّ”، مروراً بقراءة “الوفاة” و “الفخري”، ونهايةً بـ “كسرة المجلس”، ووضع نهاية لـ “عزية النساء”..!
وجهٌ من وجوه كثيرة في القطيف، عُرفنَ بـ “المعلمات” و “الملّايات”، وعُرفْن، أيضاً، بـ “الخطيبات”، ودورهنّ الاجتماعيّ قائم على “التعليم” والخطابة والإرشاد، في أوساط النساء. والسيدة معصومة من الجيل الأخير الذي ما زال محتفظاً بـ “المجاميع” الورقية التي تُحفظ في مناديل قماش يُسمّى الواحد منها “رومال” أو “دِسمال”.
إنها كُتبها الخاصة بمهنتها.. كتبها التي تقرأ منها في مجالس عزاء النساء. وهي تُشبه أي ملاية أخرى من جيلها في القطيف، جيل النساء اللائي يؤدّين دورهنّ واقفات في مكان العزاء، ولا يجلسن على كرسي، ولا يقرأن من الأجهزة اللوحية.. السيدة معصومة من الجيل العتيق.
سيرة مألوفة
سيرة مهنتها مألوفة جداً لدى بنات جيلها. فقد نشأت السيدة معصومة في بيت ريفي من بيوت الجارودية.. كانت والدتها ضريرة وعلى قدرٍ من التعليم التقليدي، وتعلّم القرآن أيضاً بشكل محدود. وقد بدأت “معصومة” مع والدتها، لكنها انتقلت إلى معلمة أخرى في البلدة، اسمها “مريم رضي ضيف الفضل “، وختمت الطفلة “معصومة” القرآن الكريم في مدة قصيرة. وبعدها ختمت “الوفاة” و “الفخري”، وتدرّبت عندها على الابتداء بمجلس العزاء، وهو ما يُسمّى بـ “الحديث”.
في جيلها؛ كان “ختم القرآن” تأهيلاً لمرحلة أعلى، هي قراءة “الوفاة”.. الوفاة هي كتاب يسرد قصة وفاة النبي (ص). والنجاح في قراءته يتمّ عبر أداء القراءة بصوتٍ بشجيّ بحضور نساء مجلس العزاء.
وبعد “الوفاة” يتعيّن على “الطالبة” أن تُتقن، أيضاً، قراءة كتاب آخر هو “المنتخب لفخر الدين الطريحي”، ويُختصر اسمه عند الملّايات بـ “الفخري”. والنجاح فيه يُشبه النجاح في قراءة “الوفاة”. الفخري كتاب في سيرة أهل البيت، عليهم السلام، ويتضمّن رواياتٍ ونصوص شعر فيهم.. وكلّ ذلك ضمن قراءة “الحديث”.
وحتى تنجح الفتاة؛ عليها أن تتميز بحُسن الصوت وقوته، وبراعتها في القراءة، والأهم أن تكون لديها “مهجة”، وتعني ـ عند أصحاب الصنعة ـ القدرة على الإحساس بما تقرأه والتأثير في الناس أثناء القراءة.
ملّاية بروحْها
حسناً؛ أتقنت “الفتاة” معصومة هذه المراحل، وتأهلت لتكون “اوْليدَهْ” ضمن فريق ملّايات يؤدّين دورهنّ في مناسبات النبي وأهل البيت، وكذلك في مجالس عزاء النساء في الجارودية. بدأت مع معلّمتها الأولى “اوليدة”،
وهكذا وجدت نفسها ضمن جيل ملّايات الجارودية اللائي توزّعن على المجالس، وعملت ضمن فريق معلمتها، لكنّها استقلّت عنها حين أسست ووالدتها وزوجة أبيها عزيتهنّ الخاصة في “حوش منزلهن”. وشيئاً فشيئاً بدأت تكبر وتكتسب مجالسها المخصوصة، وكوّنت فريقها، لتجد نفسها ضمن جيل معروف من ملّايات الجارودية، أمثال: شمسة بدر العيد وعبدة الله السليمان وحسينية آل السيد كاظم وعلوية آل السيد كاظم ومريم عباس المعراج وكاظمية السليمان.. وكلهنّ مازلن على قيد الحياة حتى يومنا هذا، ويمثلن جيلاً واحداً تقريباً، بتقارب أعمارهنّ.
لم تكن “العزية” الخاصة في بدايتها إلا في حوش منزل والدها، كان مبنياً من السعف في شكل عريش، قبل أن يتحول إلى “صنادق شينكو”، تجلس فيه المستمعات على المديد والحصر والقواعيد.
المداومة على القراءة جعل منها “ملّاية محترفة”.. تقرأ للناس “الوفايات” المعتادة في المناسبات المحددة طيلة السنة، بدءاً من عشرة محرم، مروراً بمناسبات “الوفايات” الموزعة على الشهور القمرية. وكذلك مناسبات المواليد، مولد النبي، ومواليد الأئمة.
كذلك تقرأ النذور والمجالس المجدولة في “عادات” النساء، كغيرها من الملايات في ذلك الوقت واستمرت عليه.
معلمة
إضافة إلى كونها “ملّاية” أسست السيدة المعصومة “كُتّابها” الخاص أيضاً. وعلى الطريقة التي تعلّمت؛ صارت تُعلم الفتيات والأولاد الصغار في منزلها. واستمرّت على هذه المهنة إلى ما قبل 10 سنوات من وفاتها، مكتفية بتعليم أحفادها وأسباطها من الأولاد والبنات، عبر حلقات، واستمرّت على ذلك حتى آخر حياتها.
وتقول بعض “اوليداتها” عنها إنها لم تكن تنهر الأطفال في تعليمها، تعاملها كان ليناً.
إرث ووصايا
بقدر ما أحبّت عملها؛ ورّثته لبعض أبنائها.. فهناك السيد حسين، وعلوية وزهراء. واهتمت بأن تكون ناصحة مستمرة، وكان التمسك بقراءة القرآن الكريم أكثر النصائح تكراراً الذين رددت أمامهم هذه الوصية.
كما عُرفت بحسها الاجتماعي العالي، وسؤالها عن الناس وتفقد أحوالهم وزيارتهم والاتصال بهم.
وقبل مشكلتها الصحية التي انتهت حياتها بسببها، ختمت مجالسها بقراءة وفاة الإمام علي، عليه السلام، في نهاية شهر رمضان المبارك الفائت. ولم تخفِ حسرتها على عدم استطاعة الناس الحضور جرّاء الاحترازات الوقائية من فيروس كورونا.
عندما يخطف الموت أحبابنا
برحيلكِ أيتها الجدة الغالية فقد فقدتُ جزءاً كبيراً من فؤادي. لا أدري بما أعزي بهِ نفسي ، فارقتني روحٌ عزيزة لاتعودُ أبداً و لا تعوض، لم تغب عن مخيلتي يوماً.
مازال يؤلمني رحيلها فقد اشتاقت روحي لها. أتذكرُ جيداً ماقدمته من أجلي في تلك الأيام التي عشناها معاً في بيتها الدافىء الذي يغمرنا بالود و الحب و السعادة.
كانت لي جدة حنونة، ووجهها بشوش ،قلبها أبيض ، و روحها نقية ، ولديها نفسٌ صبورة ، و عقل ٌ راجح ،أثرها الطيب باقي في اذهاننا و اذهان من حولنا ف هنيئاً للراحلة الام الغالية التي ذهبت لقبرها و بقي اثرها الطيب و بقي اسمها في الذاكرة مخلد.
كم أتمنى أن أعود للوراء لأعانق روحاً لملمتني واحتوتني و لم تخبرني بموعد رحيلها ، كنت أشعر بنعيم الدنيا لوجودها بجانبي فاللهم ارحم من كانو معنا بالامس و اجمعنا بهم بلقاء أبدي .
رحم الله السيدة الفاضلة والفقيدة السعيدة رحمة الابزار وحشرها مع جدها محمد وأله الطاهرين واسكتها الفسيح من جناته.
لاحول ولا قوة الا بالله.
عليها رحمة الله السيدة الجليلة
لقد فقدناها أختاً و أماًّ و مربيةً و معلّمة. فشكراً لِمَن شركنا آلام فقدها سواءً في مجال التشييع و الصلاة و الدفن أو مجال التعزية و المواساة أو بهكذا تعريف عن حياتها الثرية بالتربية و العطاء الرّباني و الحُسيني. فرحمها الله بواسع رحمته و تضمنها، مع من سبقها مِن أسلافها و المؤمنين أمثالها، و حشرهم جميعاً في زمرة أجدادها الطاهرين، محمد و عترته المعصومين “صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين”. نسـأل الله أن يعوّضنا عن فقدها بمثيلاتٍ لها مِمن ربّتهم لنا مِن بناتها النجيبات و حفيداتها العزيزات. و آخر دعوانا أنا نستودعكَ إياها يــَـا مِن لا تضيع لديه الودائع، فمُنَّ عليها بحياةٍ هنيئةٍ مباركة خالدة، عِوَضاً عن هذه الدُّنيا الفانية الزائلة، برحمتك وَ عطفك وَ إحسانك وَ لُطفك. وَ لها وَ لأسلافها و جميع مِن مات على ولاية أمير المؤمنين و مودّة أولاده الطاهرين “عليهم صلواتُ اللهِ أجمعين” رحم اللهُ من قرأ وَ أهدى ثواب الفاتِحةِ المباركة. ( السيّد كاظــِـم بن السيّد رضي بن السيّد كاظــِـم بن السيّد ناصر آل السيّد أحمد “أخ المُتوفّاة” – ١٤ يونيو ٢٠٢٠ م )