حسن دعبل: صافي لِحزَيّزْ تمادوا في بيعها حتى صحّفوا إسمها
حسن دعبل
تمادوا في بيعها حتى صحّفوا إسمها، فتناهبتها البطون، قبل العيون، وتلاقفتها الألسن، وعلا باسمها وبحت أصوات الباعة في الأسواق.
هي تلك السمكة المُفضّلة، والمُدلّلة فوق الصواني حين تُصف، وتُوصف في التبليح، والتمليح، وما تباهت به الأعين من صفاء لونها المخضّر بلون الزيّ، والعشب بالصخر والحجارة، والفَشت العالق بعرّشاناتها البحرية في قيعان هيراتها. وحين تصحّف الاسم من هيرها وزيّها “لِحزيّزْ” باستبدال حرف لم يُنقط في سوق بيعها وتدوينه، أسموها “لِعزيّز”، لقلّة الحيلة، وتداخل المهن وموتها، وتعجم نطق حروف اللّسان وتغرّبه.
فلِحزيّز لم يكن سوى هير بحري، يتكاثر به الزيّ من عشب البحر المُميز، أو طعم وغذاء سمك الصافي الذي يتكاثر في هذا المرعى البحري، حتى أخذ اسمه ولون عشبته. وهو واحد من هيرات متناثرة ومتداخلة، وقريبة من بعضها البعض، وإن غزّر بحرها، وفصله خور أو عيچ ويابسة. وهذه الهيرات الذي تميز سمكها، وطعمها، هي التي تقع غرب ميناء رأس تنورة، وشرق السنابس، وبندر الزور، حتى دوحة رحيمة، أو ما يسمى بدوحة أم رحيم. لذا تتكاثر في هذه الهيرات أسماك متنوعة وفريدة، ماخذة إسمها من تكاثر الأسماك بها:
أم النيسر ، أبو ديچ، أبو اليوافير، حِداللوه، البطين، الزيّ، صليف، أم حويسين…..!
مسميات تبدو غريبة في اللّفظ قبل المعنى، لمن أدرك البحر والمهنة متأخراً من غير علمٍ ودراية، ولا حتى بمجريات الماء في الجزر والمد، وحركة الكواكب والنجوم، واكتمال القمر، بعد ولادته. فتعجمت بلسانه الألفاظ، وغابت عن درايته هجرة الأسماك، ومواسمها، وأوقات صيدها، وأكلها وفصولها.
فاليوم الأسواق تصرخ بما يتوافر بها من أسماكٍ في غير مواسمها، وفصولها، وهيرات بحرها؛ فلا دراية بالمشتري، ولا حيلة بالبائع في شحّ تلك الأسماك، غير التباهي بما سمعه، ولم يغسل أثوابه بملحٍ ، أو تمسك إصبعه بخشونة الحبال.
الآن هذه الصافية البهية، شحيحة في الأسواق، صعبة المنال والوصول إلى مرعى وهير حزيّزها، قريبة للنسيان، والإنقراض، إسوة بأسماك أخرى، غابت من الذاكرة، وسفرة الماعون.