[ميناء القطيف 24] حقيقة الصراع بين طالب النقيب ومنصور بن جمعة تحقيق تاريخي يضع الاتهامات مقابل الشهادات من الوثائق العثمانية

[من أوراقي 24]

ميناء القطيف

مسيرة شعر وتاريخ

عدنان السيد محمد العوامي

آل جمعة في روايات الوثائق

لائحة التهم والشهادات

التهم:

قصة الخلاف بين طالب النقيب ومنصور باشا وأخيه يحتفظ بها أرشيف السلطنة العثمانية، ويكشف عنها الدكتور سهيل صابان على النحو التالي: >منصور بن جمعة الكويكبي (من أهالي القطيف)، حصل على رتبة الباشوية، وعين رئيسًا فخريًّا للأملاك الأميرية، وكانت إجرءاته مع الأهالي قاسية، أدَّت بهم إلى رفع الشكاوي عنه، وهو في الأصل من البحرين، إلا أنه نسب إلى القطيف؛ لأن أحد أجداده سكن فيها، اقتُحِم منزلُه من لدن متصرف نجد طالب النقيب، بعد وصوله إلى القطيف، مع بعض الضباط، وأفراد من الجيش، فوجدت في منزله مطبوعات “المعظم”([1])، المخالفة لسياسة الدولة، وكتاب >الخلافة<، وبعض الصحف المصرية، مثل المؤيَّد، واللواء، والمقتطف، والمرشد. كما وجدت في منزله مدفعية من صنع الإنجليز، وكان منصور باشا – أثناء مداهمة منزله – موجودًا في بغداد؛ بغية تقديم إخلاصه وخضوعه للدولة العثمانية؛ حيث ذكر في البرقية التي بعث بها من هناك إلى نظارة الداخلية أنه افتقد وظيفته، وصودرت أموالُه وأملاكُه، وطلب النظر في أمره بعين الشفقة، كما قدَّم معروضًا إلى رئيس الخزينة السلطانية في (25 ذي الحجة 1321هـ 1904م يشكو فيه تظلمه<([2])، وفي مكان آخر يورد اتهامًا ضد عبد الحسين، أخي منصور، فيقول: >عبد الحسين الجمعة (من أهالي القطيف، وهو أخو منصور الجمعة، اشتكى الناسُ من تصرفاتهما، واقتُحِم منزله من لدن متصرف نجد طالب النقيب أثناء وصوله إلى القطيف، فوجدت فيه مطبوعات مخالفة لسياسة الدولة العثمانية، فقبض عليه. (1320هـ/1902م)<([3])، ويرد في السياق اسم اثنين من أهل القطيف أولهما: >حسين مؤمن، من أتباع منصور الجمعة يقوم بتخويف الناس، وإجبارهم على الخضوع لما يأمر به<، والثاني: >صالح السنان (تاجر)، كان يروِّج لما ينادي، ويقوم به منصور الجمعة من أهل القطيف من أفكار وأعمال منافية لسياسة الدولة العثمانية<([4]).

أما التظلمات التي يحتفظ بها  الأرشيف العثماني، فهي واحدة فقط، نصها: >مختار عبد الله رفع شكوى ضد منصور الجمعة باسمه وتسعة وعشرين شخصًا من رفاقه من أهالي القطيف، في (9 جمادى الثانية 1324هـ، 1902م، بسبب ما كان يقوم به منصور من إجراءات قاسية ضد الأهالي في القطيف<([5]).

طالب النقيب

شهادات تبطل الاتهام

تلك كانت لائحة التُّهم، نقلتُها عن مصدرها، وهو يستند فيها إلى الإرشيف العثماني([6])، وذِمَّتي بريئة من تباعتها، فأنا لست أكثر من ناقل، بيد أنَّ معطياتٍ أخرى ناقضة لتلك التهم، تزعم أنَّها من تدبير متصرف اللواء السيد طالب النقيب؛ ودافعها شراهته للمال والتسلط، معززة ذلك بتقارير معاصرة محايدة، ليست من هذا الطرف ولا ذاك – تقول بصراحة لا مواربة فيها: إنها غريزة الاستبداد والاستحواذ والتسلط المسيطرة لدى النقيب هي الدافع لكل ما قام به ضدَّ منصور باشا وأخيه، في ما يلي عرض نصي لبعضها:

>. . . في سنة 1902 عُين مسؤولٌ مدني متصرفًا للأحساء هو السيد طالب باشا ابن نقيب البصرة، الذي وصل الأحساء في يونيو من هذه السنة، وأبدى السيد طالب نشاطًا كبيرًا في تسوية المشاكل القبلية، لكنَّ تصرفاتِه غير المشروعة كانت بلا حدود، وقد بلغت قِمَّتها في أوائل سنة 1903هـ، حين نَهَبَ بيت حاجي منصور باشا، وهو رجل من البهرة([7]) في القطيف، كان مدير أملاك الدائرة السنّية في الأحساء([8])، وأغنى تاجر في الإقليم كله، وقد اتهمه السيد طالب بعدم الولاء للحكومة التركية، كما أمر بسجن أخيه أحمد بن جمعة([9])، وبلغت الغنائم التي نهبت من بيت حاجي منصور حمولة ثلاث سفن، ورد ذكر رحيلها في تقرير ممثل بريطانيا في البحرين، وأشار القنصل البريطاني في البصرة إلى ما يؤكد وصول السفن وحمولتها إلى مقر السيد طالب في صبيحات([10]) على شط العرب. واستُدعي طالب باشا مؤقتًا في أكتوبر 1903، وعين فائق باشا القائد العسكري متصرفًا خلال غيابه، لكنه لم ينقل نهائيًّا من عمله إلا في فبراير سنة 1905. ويبدو أن معاملته السيئة لحاجي منصور كانت هي السبب الرئيسي في عزله<([11]).

شاهد عيان سياسي يكشف الدسيسة

هي شهادة كتبها رجل بعيد عن الطرفين، لا تربطه بأيٍّ منهما أيَّة صلة ذلك هو الكولونيل راتسلو، كتبه في العاشر من مارس 1903، وفيما يلي تقريره حول خلاف منصور بن جمعة مع طالب النقيب باشا، متصرِّف الأحساء: (إن الحادثة التالية التي وقعت مؤخَّرًا لَتُظهِر احتقارًا وعدم مبالاة لا يصدّق للمظاهر، حين يندفع هذا الحاكم ليرضي غريزة الاغتصاب والشرَه في نفسه، وقد أثارت الحادثة غضبًا عظيمًا بين السكان العرب، ليس في الأحساء فحسب، بل حتى في البصرة وبغداد أيضاً. أحد كبار التجار في القطيف وهو منصور باشا، الممثل المحلّي في قائمة الشخصيات المدنيّة، وهو بالغ الثراء، سرعان ما وجد فيه طالب باشا هدفًا مناسبًا للابتزاز، إلاّ أن منصورًا رفض الانصياع لابتزازات المتصرّف، وفرّ إلى البحرين، ومن هناك إلى بغداد. بعد ذلك بفترة وجيزة، وفي نهاية يناير (1903) على وجه التحديد، اقتحم طالب باشا منزل منصور، وسجن أخاه عبد الحسين، ثم استولى على ممتلكات من ضمنها لآليء يتاجر بها منصور، كانت كثيرة جدًّا. وقد أفاد المستر جاسكن، المعتمد البريطاني المساعد في البحرين؛ أنه في السابع من فبراير (1903) وصل إلى البحرين ثلاثة مراكب كبيرة، محمّلة بالغنائم (المسروقة) يقودها محمد عتيق، الرجل الموثوق لدى المتصرف، وقد علمتُ أن هذه المراكب وصلت بعد ذلك إلى شطّ العرب، وأفرغت حمولتها في السبيليات SIBILIAT  وهو مقرّ إقامة النقيب المحاذي للنهر، والذي يبعد حوالي خمسة عشر ميلاً عن البصرة. وتبريرًا لسلوكه هذا أرسل طالب إلى الوالي (في البصرة) حزمة من (الصحف التحريضية) التي أكّد أنه عثر عليها في منزل منصور، كما أدّعى أنه عثر على عدد كبير من البنادق في ذلك المنزل في الوقت ذاته.

هذه الأقوال الأخيرة المتعلقة بالبنادق صحيحة على الأرجح؛ لأن جميع العرب، خاصة أولئك الذين يملكون أشياء ثمينة، يملكون أسلحة، وليس لهذا المبرّر تلك الأهمية التي يمكن ربطها بوضع مماثل في أجزاء أخرى من تركيا).

تقرير آخر معزِّز

يواصل المصدر: >أما فيما يتعلّق بالصحف، فإن ضوءًا غريبًا يلقيه على هذه التهمة، تقرير المستر جاسكن، حيث يقول: >أن محمد بن عتيق زاره يوم التاسع من يناير (1903) وقال له إن طالب باشا راغب في الإطلاع على بعض الصحف العربية الصادرة في مصر أو القسطنطينية أو لندن أو باريس، وذكر تحديداً صحيفة (الخلافة) التي تصدر في لندن، وهل بالإمكان استعارة بعض النسخ؟ ردّ عليه جاسكن بأن المعتمدية البريطانية لم تتلقَ أيًّا منها، ولكن يستنتج بشكل واضح من هذه الحادثة، أن محمد عتيق أُرسِل إلى المعتمدية للحصول على مثل هذه الصحف؛ لكي تُكتَشف – فيما بعد – في منزل منصور. في هذه الأثناء، استطاع منصور باشا – وهو في بغداد – أن يثير اهتمام المشير، وهو قائم بأعمال الوالي أيضًا، ويجيّر هذا الاهتمام لصالحه. اتصل المشير بالوالي وبالقسطنطينية، وأبرق الوالي إلى وزير الداخلية طالبًا منه إرسال لجنة خاصة للتحقيق، لكنه لم يتلق جوابًا. إن الوالي جدّ منزعج ومتضايق من فكرة إلزامه بإجراء التحقيق شخصيًّا، لأنه يعتبر أن هذا الإجراء يعني أن عليه تبرئة طالب، وبالتالي جلب العار لنفسه.

قال لي الوالي إنه يفضّل أن يستقيل، وهو يعتقد يقينًا أن الصحف قد وضعت في المنزل بناءً على أوامر طالب نفسه، ويعرب عن عظيم دهشته واستغرابه من امتناع البريطانيين عن التدخل لصالح منصور؛ لأن هذا الأخير يتعامل تجاريًّا مع تجار اللؤلؤ البريطانيين الهنود، الذين تعود إليهم الكثير من اللآليء التي استولى عليها المتصرّف. هذا هو الواقع على ما أعتقد، ولو أنني لم أتلق أيّة شكاوى من رعايا بريطانيين حتى الآن.. .<([12]).

1 – شكوى منصور باشا بن جمعة إلى السلطان العثماني

على غلاف العدد 40 من مجلة الواحة ظهرت صورة الرسالة التي رفعها الحاج منصور باشا باللغة التركية القديمة، إلى السلطان عبد الحميد الثاني، وفي داخل العدد بحث ضافٍ كتبه الدكتور محمد موسى القريني، حمل عنوان: (الصراع بين منصور باشا وطالب النقيب)([13])، عرض فيه أوضاع الحكم العثماني في المنطقة، والصراعات والخصومات المحتدمة بين قياداته، وإدارييه، ما ظهر منها وما بطن، منتهيًّا إلى محاور الرسالة، فعرضها على النحو التالي:

المحور الأول:

أبرز المحور الأول من الرسالة سياسة السلطان عبد الحميد الثاني تجاه الولايات العربية، حيث انتهج السلطان عبد الحميد الثاني سياسة مختلفة عن سابقيه تجاه الولايات العربية، فقد أبدى اهتمامه بها، واعتمد عليها في إنقاذ إمبراطوريته مما تعانيه من أزمات اقتصادية حادة، ولتعويض ما فقد منه من أراضٍ في الولايات البلقانية.

لقد أخذ اهتمام السلطان عبد الحميد الثاني بالولايات العربية صوراً متنوعة ومختلفة، منها تأكيده على أن تكون الولايات العربية ولايات من الدرجة الأولى فيما يتعلق برموز السلطة فيها، ودفع مرتبات عالية لهم تفوق أمثالهم في الولايات الأخرى، واختيار أفضل رموز السلطة من ذوي الخبرة والمراس لإدارتها. ومن مظاهر الاهتمام أيضاً منحه الكثير من الوجهاء العرب البارزين الهدايا والألقاب الباشوية، وتكريمه لعلماء الدين، وتقريبهم إليه بل وأسكنهم في قصره خلال فترة زيارتهم إلى استانبول، لقد أوضح منصور بن صالح بن جمعة في رسالته ذلك الاهتمام من السلطان عبد الحميد الثاني به كأحد رموز السلطة العرب، وأحد الوجهاء البارزين في القطيف، حيث يشير في رسالته إلى ذلك فيقول: إنه حاصل على رتبة أمير الأمراء، والوسام المجيدي من الدرجة الثانية، وإنه من أصدقاء الدولة، وعمل رئيسًّا فخريًّا للأملاك السلطانية في القطيف منذ أكثر من عشرين عامًا، وإن الخدمات التي قدمها للدولة كثيرة، إلا أنها لا تساوي مقدار واحد في الألف مما حصل عليه من الإنعام والتكريم المميزين من جناب السلطان ورموز أجهزة السلطة العثمانية في المركز استانبول والولاية. وإنه يعيش في أمن وأمان في ظل حكومة السلطان، كما أنه حاز على مكانة مرموقة بين أقرانه بفضل جناب السلطان. ويختتم المحور الأول بالدعاء للسلطان بطول العمر، وأنه يعترف بتلك الثقة التي أولاها له السلطان، ويفتخر بها.

المحور الثاني:

يحاول ابن جمعة في هذا المحور من رسالته أن يكشف النقاب عن الوجه الحقيقي للسيد طالب النقيب تجاه الدولة العثمانية، والرأي العام، من خلال علاقاته برموز السلطة والقوى المحلية، إضافة إلى إبراز أوجه العلاقة معه شخصيًّا، حيث يشير ابن جمعة في رسالته إلى ذلك قائلاً: إن السيد طالب النقيب قد حصل على لقب نقيب الإشراف في البصرة  بالقوة والرشاوى، ومن خلال علاقته مع أبي الهدى الصيادي الذي يحظى بمكانة مرموقة، واهتمام بالغ منقطع النظير لدى السلطان عبد الحميد الثاني آنذاك، كما أوضح ابن جمعة في رسالته ألاعيب السيد طالب النقيب تجاه الدولة العثمانية، ويذكر في هذا الصدد أن السيد طالب النقيب يحاول إظهار إخلاصه وتفانيه للدولة من جهة، ومن جهة أخرى تجده يلعب دورًا بارزًا في إثارة القلاقل والاضطرابات، وذلك بتحريض الزعامات المتسببة في تلك الاضطرابات، وأنه يهدف من وراء ذلك إلى أن تلجأ له الدولة، وتستعين به لإخماد تلك المشاكل، وهذا ما حدث فعلاً مع بعض المشاكل التي تعرضت لها السلطة العثمانية في لواء الإحساء، سواء مع القوى السياسية المحلية، كقضية الشيخ قاسم آل ثاني مع رموز السلطة، أو قضية شيخ الكويت مبارك الصباح أيضًا، أو مع القوى القبلية كقيام آل سعدون في البصرة بإثارة القلاقل والاضطرابات ضد والي البصرة، وكقيام آل مرة والعجمان بأعمال سطو ونهب للقوافل التجارية، وإثارة الرعب والخوف لأهالي المنطقة. أبان أيضًا ابن جمعة في رسالته الفساد الإداري للسلطة العثمانية في المركز والأطراف حيث يقول: إن السيد طالب النقيب طلب منه عشرة آلاف روبية كرشوة ليقدمها إلى أبي الهدى الصيادي من أجل أن يضفي عليه الشرعية باستخدام لقب نقيب أشراف البصرة. ويذكر ابن جمعة في رسالته أن العقل المدبر لشيخ الكويت مبارك الصباح هو السيد طالب النقيب، فهو الذي لعب الدور البارز في الصراع الدائر بين شيخ الكويت والشيخ يوسف الإبراهيم، ولعب أيضًا دورًا بارزًا في إدخال الكويت تحت الحماية البريطانية.

المحور الثالث:

يناقش ابن جمعة في رسالته أبعاد قضيته مع السيد طالب النقيب حيث يذكر في هذا الصدد ما يلي: إن السيد طالب النقيب بعدما أصبح متصرفًا على الإحساء بدأ بتصفية حساباته معه لكون (ابن جمعة) امتنع عن إعطائه ما يريد من رشاوى، ولكونه المنافس القوي لصديقه الشيخ مبارك الصباح في تجارة اللؤلؤ. فأمرَ فائق باشا القائد العسكري للواء الإحساء (نجد) بأن يتوجه إلى القطيف وفي معيته مدير التحريرات، وعدد من الشرطة، وأمين الصندوق والذهاب إلى منزل منصور بن جمعة بحجة البحث عن الأسلحة الممنوعة الذي يعتقد أنه يتاجر فيها، وكذا بعض المنشورات المضادة للدولة العثمانية، وقام القائد العسكري بمهاجمة المنزل واستولى على أكثر من خمسين ألف ليرة، وكثير من المجوهرات، وقاموا بتعذيب أخيه عبد الحسين أفندي، بل إنهم استولوا على بعض أملاكه وأعطوها للغير، وأخذوا المحصول السنوي لأراضيه الزراعية بالكامل بحجة تعداد بساتين نخيله. ويستطرد ابن جمعة في أحداث قضيته قائلاً: إن ما نسب إليه من أنه ضبط في منزله أوراق ومنشورات معادية للدولة وكذا العديد من الأسلحة؛ كل ذالك غير صحيح. حيث إن تلك الأوراق والمنشورات المضبوطة قد جلبت مع القائد العسكري، ووضعت في منزله أثناء الهجوم عليه. أما الأسلحة فهي عبارة عن بنادق يحتفظ بها لحماية رجاله العاملين في سفن الغوص الخاصة به. أما المدفع الذي حصلوا عليه فهو عبارة عن مدفع قديم وصغير غير صالح للاستعمال، وأن لديه شهادة ومحضر من مجلس إدارة القضاء بأنه غير صالح للاستعمال. وفي ختام رسالته يشير ابن جمعة بأنه أرسل العديد من المعروضات في المظالم التي ارتكبها السيد طالب النقيب عبر قنوات متعددة لأجهزة السلطة العثمانية في اللواء والولاية، منذ عدة أشهر، وأنه أرسل مئات البرقيات، إلا أن أمرًا سلطانيًّا في حقه لم يتخذ، ويبرر ابن جمعة ذلك الأمر بأنه متأكد ومتيقن بأن تلك الرسائل لم تعرض على جناب السلطان، الأمر الذي جعله يقوم برفع شكواه إلى جناب السلطان مباشرة لرفع ظلم السيد طالب النقيب، والاستماع لصرخته، وأنه يلتمس العذر من جناب السلطان على هذا التجاسر، واللطف والإحسان من جناب السلطان. ويبدو أن هذه الرسالة – بعد ما وصلت إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وقرأ ما جاء فيها، واتضحت له حقائق كان بعيدًا عنها – أصدر أمره بعزل السيد طالب النقيب من متصرفية الإحساء. حيث إن تاريخ كتابة تلك الرسالة وعزل السيد طالب النقيب متقاربين جدًّا. واستناداً لما ذكر في رسالة ابن جمعة فإنه يمكننا القول: إن تلك الرسالة ساعدت على كشف النقاب عن وجه السيد طالب النقيب وألاعيبه الملتوية تجاه الدولة العثمانية، وأنها أبرزت حقيقة العلاقة بين رموز السلطة العثمانية مع بعضهم البعض؛ تلك العلاقة المبنية على روح المنافسة وعدم التلاؤم بدلاً عن الانسجام والتعاون، الأمر الذي أثر – مما لا شك فيه -سلبًا على سلوكهم وتصرفاتهم، وانعكس ذلك على أسلوب ممارستهم للسلطة في أجهزة الدولة المختلفة، وعلاقتهم بأهالي المنطقة.

ولعل ما ذكره محمد رؤوف الشيخلي، أحد رموز السلطة العثمانية في لواء الإحساء، خير دليل على ذلك، فيقول: (ولا يخالطون (أي السكان) هؤلاء الذين يسمونهم بالعسكر مطلقًا، وإذا كان أحد السكان قد خالط أحد موظفي السلطة العثمانية في الإحساء فإنه يشار إليه بالبنان بأنه خالط العسكر، وإن مدة بقائي (أي بقاء الشيخلي) في لواء الإحساء لم يحصل أي ائتلاف بين الأهالي وموظفي الحكومة؛ حيث ترى كلاًّ على حدة، ولا يتزاورون ولا يتخالطون. . .<([14]).

بكل أسف لم يقدم الدكتور القريني ترجمة لنص الشكاية إلى العربية، ومع ذلك فقد استوفاها عرضًا وتلخيصا.

————–

([1])لعلها خطأ مطبعي صوابه: المقطم.

([2])مداخل بعض أعلام الجزيرة العربية في الأرشيف العثماني، د. سهيل صابان، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، الرياض، الطبعة الأولى، 1425هـ، ص: 215.

([3])مداخل بعض أعلام الجزيرة العربية في الأرشيف العثماني، ص: 95.

([4])مداخل بعض أعلام الجزيرة العربية في الأرشيف العثماني، ص: 86.

([5])مداخل بعض أعلام الجزيرة العربية في الأرشيف العثماني، ص: 209.

([6])مداخل بعض أعلام الجزيرة العربية، د. سهيل صبان. عن رموز التصنيف:

B E O 221476, Y.A.HUS.119/58, DH.MUI. 37-2/20, Y.A.RES.119/58, Y.PRK. HH.35/33, Y.PRK.UM. 61/10, 66/?7, 68/98, 70/68.

([7])أرجح أنها خطأ في الترجمة صوابه: البصرة، فهو منها حقيقة، ولا يوجد في القطيف بهرة، إلا أن يكون تاجرًا، أو عابرًا.

([8])مصطلح “الأحساء< في التنظيمات الادارية العثمانية يشمل القطيف، أيضًا.

([9])لعله خطأ من المترجم، فالصحيح أن أخاه هو عبد الحسين، ولم يذكر أنًّ له غيره.

([10])مر في الحلقة السابقة – وسوف تتكرر هنا – أن قصره في السبيليات في أبو الخصيب، ولعلها ما أخطاء الترجمة.

([11])دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، القسم التاريخي، طبعة جديدة معدلة ومنقحة، أعدها  قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر، د. ت. جـ3/1473.

([12])مجلة الواحة، العدد الأول، محرم، 1416هـ. مايو، 1995م، ص: 114 – 122. عن:

PERSIAN  GULF  GAZETTEER, PART  1,  HISTORICAL AND POLITICAL  MATERIALS, PRECIS  OF  TURKISH  EXPANSION  ON  THE  ARAB LITTORAL  OF  THE  PERSIAN  GULF  AND  HASA  AND  KATIF  AFFAIRS. CHAPTER 7. BY  J.  A.  SALDANA,  1904 I.O.R  R/ 15/ 1/ 724

([13])مجلة فصلية تعنى بشؤون التراث والثقافة والأدب في الخليج العربي. أصدرها من بيروت لفيف من مثفقي القطيف، ثم ضموا إليهم عددًُا من إخوتهم مثقفي الأحساء. توقفت عن الصدور. وعن المقال انظر: العدد 40، السنة الثانية عشرة، الربع الأول، عام 2006م.

([14])للاطلاع على نص البحث كاملا، من خلا الرابط: https://chl.li/nQGNm.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×