على خُطى بحارة الكويت الرومي يبحث عن دارين والفياحين والهارون والبنعلي وأساطين الغناء البحري
حسن دعبل
أن تقتفي الأثر الباقي لبحارة الكويت، وخشب محاملهم، وسنيارهم، وأبوام السفر، ليست بمهمة سهلة، ولا مُستحيلة، ولا بمُخيّلةٍ أغواها الغياب، والبُعد والنسيان. أن تستعيد الحكاية وتمسك بخيوطها، و تشدّها على آخر نهمةٍ، وبحةٍ، وصرخة. أن تنادي بأسماء من غابوا، ورحلوا، وطواهم النسيان.
الحكاية تباعدت، والبنادر أيضاً تباعدت، وبعُدت، وخنست بها الأبوام والخشب، والبحارة!
الراوية البحري، والنوخذة “علي بن صالح البشر الرومي”، يستعيد بك الحكايات من أولها حتى وإن طواها النسيان، وطوتها الأشرعة والبنادر. يسأل، ويتساءل عن الناس والأهل، عن الفياحين والهارون والبنعلي، ومن تبقى وبقي من أهلها، وسردارات الغوص وطواشيها. عن دارين دار الطرب، ودور فنّها، عن تلك الدور وأصحابها، وأساطين الغناء البحري، ونهاميها، وترويسات سمرها، وأنسها. عن دارين التي غادرها، ولم تزل في ذاكرته ومهجته، منذ تلك النهمة الأخيرة التي خطف بها من بنادر الكويت طارحاً في بندر دارين بجالبوت “لِبنيّه”.
“سانينا” وبرخنا، وسايفنا قرب بندر “لِرفيعه” التاريخي، إن كان هناك أثر لموجة وشراع. عن سنيارات الغوص وهيراتها القريبة. عن نواخذة لكويت بكرمهم في الزاد والمال، وما تناقلته الألسن، وحفظته الأفئدة، قبل أن تشيخ العقول، وتخون بذاكرتها. عن خطواتهم، وهمّتهم في المشي، وفرحهم بالماء والزاد، وخضرة المزارع. عن حمّام تاروت الذي غسل ملوحة الأبدان، وتلك الأسماك الصغيرة، وهي تنقر، وتأكل في جروح أرجلهم وقروحها، وحراره البحر، والدّول.
لا المواويل ولا لِزهيريات، ولا صرخة لِجراحان، إقتفت بنا الأثر. الوقت يركض بيومنا، وهبوب السّرايات، قبل هبوب البوارح، وأيامه. طوينا يومنا قبل إقتفائه، وسلوم شمسه، ومغيبها على ما تبقى من أثرٍ للمكان، قبل أن يأكله الغياب.
*على خطى بحارة الكويت، برنامج وثائقي، يوثق بحارة الكويت وخشبهم، والبنادر التي طرحوا، وبندروا فيها، ومروا أيضاً. سواء في فترة الغوص، أو ما بعده، وفترة الأبوام السفاري والقطاعي، ومن المعروف أن غاصة الكويت، طرحوا وبندروا في كل البنادر القريبة لهيرات الغوص، وخاصة بندر لِرفيعه، أيام الگفالّ الصغير والعبّاط، وفي حالات الضرورة “لكلفتات” الخشب أو الأعياد، إن صادفت أشهُر الغوص المعروفة، وبندر لِرفيعة القريب من دارين وخورها، هو ما يُعرف عند بحارة الكويت، ببندر دارين للقرب الجغرافي البحري، وربما يعتبر أقدم بندر بحري في الخليج منذ القدم، ويُعتبر ضمن الخط البحري لسنيار الخشب، أو أبوام السفر الكويتية السفاري التي كانت تتاجر بالتمور إلى أفريقيا، والهند، واليمن، وسيام، ونيبار، ورنگون، وغيرها من البنادر. أما القطاعي فهي التي كانت تنقل البضائع والمسافرين إلى بنادر الخليج العربي، والحلقة التي سجلت توثيق خُطى بحارة الكويت، هي الأخيرة للجزء الرابع، للتوثيق المنسي لهذا البندر الذي كان دوحة لزهوة الغوص، وذاكرته، وشهرته في تلك الأسفار البحرية السعيدة.
الصور، للنوخذة علي بن صالح البشر الرومي، والباحث والمهتم بالتراث الكويتي نواف العصفور، والمخرج خالد النصر الله.