[2] بستان السيحة وسمر في الذاكرة تفاصيل ما حدث عند أمير القطيف.. ونخل عبدالله أخوان

عدنان السيد محمد العوامي

السمر والسُّمَّار

ما دمتُ لا أملك مصدرًا دوَّن المناسبة بنحو تفصيلي تام سوى السيد علي العوامي (رحمه الله)([1]) ، فلنرح أنفسنا من عناء الصف، وتبعات المسؤولية الأدبية، فننقل ما قاله بطريقة القص واللصق والعهد عليه:

سيد علي العوامي

(تلقَّى بعض أعيان القطيف من علماء وأدباء وشعراء ووجهاء صبيحة يوم الخميس الثاني من جمادى الأولى عام 1370هـ، الموافق للثامن من شهر فبراير عام 1951م، دعوةً من أمير  القطيف حمود البقعاوي([2])، للحضور إلى مقرِّ الإمارة([3]) عصر ذلك اليوم؛ للقاء وفد من الخارج يريدون الاجتماع بهم، وكان في طليعة المدعوين: صاحب الفضيلة الشيخ علي بن حسن الجشي، قاضي محكمة الأوقاف والمواريث الشيعية بالقطيف([4])، والمرحوم عبد اللَّه بن منصور إخوان([5])، وعلي بن حسن أبو السعود([6])، والشاعران عبد الله الشيخ علي الجشي([7])، ومحمد سعيد الشيخ علي (أبو حسن) الخنيزي([8])، والشاعران المرحومان محمد سعيد المسلم ([9])، ومحمد سعيد الجشي([10])، وغيرهم من الأعيان والأدباء.

أمير القطيف حمود البقعاوي
الشيخ علي الجشي
علي أبو السعود
محمد سعيد الجشي

لم تفصح ورقة الدعوة عن الوفد الزائر.

وتوجَّه المدعوُّون، عصرًا، لدار الإمارة([11])إلا فضيلة الشيخ علي الجشي؛ إذ اعتذر عن حضوره لكبر سنه، وحضر أعضاء الوفد يرافقهم الشيخ عبد الرحمن الشيباني، رئيس مكتب أمير المنطقة الشرقية يومها: المرحوم عبد المحسن بن جلوي([12])، ووقف الشيباني، وعرَّف بأسماء الوفد وهم:

1 – الأستاذ أمين الخولي، رئيس الوفد (زوج بنت الشاطئ وأستاذها)، 2 – الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام العبادي، 3 – الأستاذة الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، 4 – الأستاذ عبد السلام، مدرس بكليَّة الحقوق، 5 – الأستاذ كمال الدين الهاشمي، ماجستير بكلية التجارة، 6 – الأستاذ عبد الحميد البارودي، بكالوريوس كلية الزراعة، 7 – الأستاذ محمد صبحي عبد الرحمن، إداري بكلية الطب.

بنت الشاطيء في أواخر حياتها

وكان هؤلاء يمثِّلون وفدًا من جامعة القاهرة “جامعة الملك فؤاد يومذاك” يقوم بزيارة رسمية للمملكة، وقد زاروا الرياض، وقابلوا المغفور له جلالة الملك عبد العزيز، ثم زاروا المنطقة الشرقية، ولم يكن أحدٌ من أعضاء الوفد معروفًا لدى الحاضرين من أهالي القطيف عدا بنت الشاطئ التي كان وجودها مفاجأة غير متوقَّعة لهم؛ فبنت الشاطئ معروفة لديهم بما كانت تكتبه في الصحف المصرية، ومنها مجلة «الكتاب» التي كانت تصدر، يومَها، عن دار المعارف بمصر، وكان يرأس تحريرها الأستاذ عادل الغضبان، وكانت المجلة تصدر شهريًّا، وذات مستوى أدبي رفيع، وكانت تصل لعدد من أدباء القطيف، وشارك بعضهم، ومنهم المرحوم محمد سعيد المسلم، في الكتابة فيها أحيانًا.

حين انتهى الشيباني من التعريف بأعضاء الوفد؛ قام الحضور، وسلَّموا عليهم وحيَّوهم تحيات حارَّة، ورحبوا بهم، وقدموا لهم دعواتٍ على وجبات -غداء أو عشاء- إلا أن الوفد اعتذر بأن برنامجه ضيق، وألا وقت لديه للاستجابة إلى دعوات وولائم، وبعد إلحاح اتَّفق الوفد وأهالي القطيف على الحضور على دعوة شاي عصر السبت، وتقرَّر أن يكون الاجتماع في نخل (بستان) السيد عبد الله إخوان.

في ذلك اللقاء الأوَّلي، قال السيد أمين الخولي: (جئت القطيف للبحث عن كتاب يهمني الحصول عليه، وهو كتاب (الشافي) للشريف المرتضى(*)، فوعده الحاضرون بأن يُحضِروا له الكتاب عند مجيئهم يوم السبت.

وخرج أدباء ووجهاء القطيف من مقر الإمارة عند مغرب ذلك اليوم فرحين مبتهجين بزيارة وفْدٍ من إحدى جامعات مصر الشقيقة، ووجه الحاج عبد الله اخوان الدعوة لعدد آخرَ من أدباء القطيف ممن لم يكونوا حاضرين دعوةَ الإمارة، لحضور حفل التكريم الذي سيقام للوفد في بستانه (السيحة) الذي يقع قرب بلدة الدبابية، وغير بعيد من سوق القطيف.

عبدالله إخوان

من جانبهما، قام كل من المرحوم محمد سعيد المسلم، ومحمد سعيد الخنيزي، بتأمين نسختين من كتاب (الشافي)، وقدما النسختين لأمين الخولي في تسابق بينهما، طمعًا في أن يقوم أمين الخولي بتحقيق الكتاب، وإعادة طبعه -كما كانا يظنان- لأن النسختين كانتا مطبوعتين في إيران، وكانت النسخة التي قدمها محمد سعيد الخنيزي موجودة لديه في مكتبته التي ورثها من مكتبة والده العلامة الشيخ علي بن حسن الخنيزي (أبو حسن)، أما النسخة التي قدمها محمد سعيد المسلم فقد أخذها من مكتبة المرحوم الأستاذ  الشيخ ميرزا حسين البريكي، وكان البريكي، يومها، غير موجود في القطيف.

 

محمد سعيد الخنيزي

ولما كان المسلم لا يزال يواصل دراسته لدى الأستاذ البريكي، ولكونه زوج بنت أخيه الأكبر الشيخ محمد صالح البريكي، فقد رأى أن ما بينه وبين أستاذه من خصوصية تبيح له أن يأخذ منه الكتاب المذكور…

محمد سعيد المسلم

وفي عصر يوم السبت 10 فبراير 1951م، 4 جمادى الأولى 1370هـ، تقاطر عدد من أهالي القطيف، حتى من غير الأدباء والشخصيات، متطلعين للالتقاء بالوفد المصري الشقيق، وأُعِدَّت أباريقُ الشاي، ودِلال القهوة العربية، والمرطِّبات، والفواكه، وجاء للمحل مبكِّرًا سكرتير إمارة الدمام – عبد الرحمن الشيباني- للإشراف على الحفل وترتيبه، وعلى برنامج الخطابة، والاطلاع على ما سيلقى في الحفل من كلمات وقصائد، ولكن الوفد تأخَّر في وصوله لمكان الحفل؛ لأنه كان في رحلة إلى رأس تنورة، مركز مصفاة البترول، واضطر منظمو الحفل لإحضار السُّرُج (الأتاريك) التي تعمل على الكيروسين (الكاز)؛ إذ لم تكن الكهرباء قد وصلت القطيف يومذاك. ووصل الوفد مقر الحفل قُبَيل الغروب بقليل، وألقى صاحب المحل -الحاج عبد اللَّه اخوان- كلمة ترحيبية، ثم تلاه الوجيه علي بن حسن أبو السعود مُرَحِّبًا – هو الآخر – بالوفد مقدِّمًا لبنت الشاطئ 14 لؤلؤة من لآلئ الخليج، في عُلبة من الصدف مُطَعَّمَةٍ بالفِضَّة، قائلًا لها: «هذا نتاج الخليج يُقَدِّمُه ابن الخليج لبنت الشاطئ»، وقد سُرَّت السيدةُ بنت الشاطئ بتلك الهدية. ثم تتابعت الكلمات والقصائد، ولكن دُرَّةَ الحفل، أو عصا موسى، كانت قصيدة الأستاذ الشاعر عبد الرسول (عبد الله) الشيخ علي الجشي التي مطلعها:

بلد عريق في الحضارة نَيِّرُ

ورسالة من عهد خوفو تؤثر

كما ألقى الشاعر محمد سعيد الخنيزي قطعة شعرية جاء فيها:

إن القطيف ومصر شعب واحدٌ

في المبدأ السامي وفي الأفكار

فمتى نرى هذي الصفوف توحَّدت ترمي العدو بمارج من نار

وكذلك ألقى الشاعر المرحوم محمد سعيد الجشي قصيدة جاء فيها:

هذي القطيف شيوخها، وشبابها هبَّت تحيِّيكم بكل لسان
فلتخبروا مصرَ العزيزةَ أننا إخوان في الأوطان، والأديان
هذي ربوع العرب مًهْدٌ واحدٌ لا فرق بين بعيدها والداني
وشعوبها أمم موحدة الهوى في كل ما يرمي لرفع كيان

وما أن انتهى الحفل، حتى استدعت بنت الشاطئ الأستاذ الجشي، وأجلسته إلى جانبها، وقالت له: «أوَّلًا، هلاَّ دللتني على قبر خولة؟»، فقال لها: «يؤسفني أني لا أعرف أين هو، بل إني لا أعرف أنَّ قبرَها معروف موضعه»، وقالت له: «ثانيًا – إنَّ قصيدتك تصلح نواةً لملحمة تاريخية فأكملها<، وانفضَّ الحفل، وكلا الطرفين فرح مسرور بذلك اللقاء التاريخي([13]).

 

 

———-

[1]) ) أحد رموز التنوير في المنطقة، كاتب أديب، ولد في القطيف، محرم 1343هـ أغسطس 1924م، أخذ تعليمه لدى الملعم السيد محمد العلم، أخذ علوم العربية نحوًا وصرفًا، وبلاغة (معاني وبيان) على الشيخ ميرزا حسين البريكي، افتتح في بدء حياته دكانًا لبيع الأغذية، تنقل في عدة أعمال منها محاسبًا ببلدية القطيف، ولدى شركة كهرباء الخبر وبنك القاهرة، وبنك حتى تقاعده من العمل فيه ربيع الأول سنة 1406هـ نوفبر 1985م، له من المؤلفات، (رجال عاصرتهم)،   الحركة الوطنية شرق المملكة العربية السعودية، جهاد قلم في الصحافة والسير والأدب.   

[2]) ) عين أميرًا على القطيف في شعبان سنة 1365هـ، يتمتع بالطيبة والخلق وحسن الإدارة رغم أنه أمي، انظر: ديوان خالد محمد الفرج، تقديم وتحقيق خالد سعود الزيد، توزيع شركة الربيعان للنشر والتوزيع، الكويت، 1989م، ص: 27

[3]) ) مبنى الإمارة، ويسمى الدرويشية: وينقسم إلى ثلاثة أقسام: الدور العلوي يشغله مكتب الأمير، والدور الأرضي مخازن تمور الزكاة، وأملاك الدولة، وباقي المساحة بستان نخيل، ما زال موجودًا، لكن الإدارة نقلت إإلى مبنى جديد بشارع القدس. يقع بمنى الدرويشية في الجانب الجنوبي، من ساحة مستطيلة شرقي سور القلعة تضم من دوائر الحكومة؛ (الكوت) في ركنها الغربي الشمالي، ويشغل دائرة التيل (البرق والبريد والهاتف)، حاليًّا مركز الهاتف الآلي، إلى الجنوب منه مركز دوريات خفر السواحل (نقل إلى الدمام، وحاليًّا: سلاح الحدود), ثم مدرسة البحر، ثم مبنى الجمرك وهو مكون من قسمين يفصل بينهما طريق يعلوه قواسان جميلان  (يشغله الآن الدفاع المدني)، يشغل القسم الشمالي بدوريه المكاتب، والقسم الجنوبي يشغل الأرضي مخازن الجمرك، والمستوصف، ومستودع المالية، والعلوي كتابة العدل، دائرة المالية وأملاك الدولة، ودائرة المرفأ.   

[4]) )فقيه، ولد في القطيف 1296هـ وتوفي 1976هـ، شاعر يكتب الشعر بالفصحى والعامية، نشر من آثاره: منظمة في أصول الفقه، الروضة العلية، الضواتهد المنبرية، ديوان العلامة الجشي في جزئين.

[5]) )مرت ترجمته في الحلقة (1).

[6]) ) ولد في القطيف في 14 ربيع الثاني 1324هـ 7 مايو 1906م وتوفي في مدينة الكاظمية – العراق عام 1374هـ، زعيم وطني مثقف، متفان في خدمة الإنسان، غزير الإنتاج شعرًا ونثرًا، أصدرت من نتاجه الأدبي: (شيخة) رواية تاريخية، هي الأولى في المنطقة، وكتاب (من أعمال أبي السعود الأدبية)، كذلك كتاب (زعيم في ذاكرة الوطن) يضم المواد الشعرية والنثرية التي قيلت في حفل ذكرى الأربعين على وفاته، وكتابان قيد الطبع هما: (أوراق من دفتر النسيان، وعلي أبو السعود؛ مراسلاته ووثائقه).

[7]) ) ولد بالقطيف، 1344هـ، وتوفي سنة 1429هـ، شاعر وأديب وباحث، هاجر إلى للعراق، وعاد بعد حرب تحرير الكويت، كرمته الجامعة العربية        ضمن برنامجها لتكريم الرواد، وكرم في القطيف، وكرم في الجنادرية، وقلده الملك عبد الله وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، وكرمه الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجة في اثنينيته، وطبع من شعره (المجموعة الشعرية الكاملة)، أيضًا طبع من آثراه الشعرية ديوان قطرات ضوء (رباعيات)، ولها بقية لدا ولده قطيف. وله العديد من الكتابات والبحوث تنتظر من يخرجها من عتمة الرفوف.

[8]) ) ولد في القطيف 1343هـ، شاعر وناثر مكثر في الفنين، طبع العديد من الدواوين أولها النغم الجريح، وله العديد من الكتب المطبوعة والمخطوطة، كرم في منتدي القطيف الحضاري، مدَّ الله في عمره.

[9]) ) شاعر ومؤرخ، ولد بالقطيف سنة 1341هـ، وفيها تخرج على الشيخ ميرزا حسين البريكي، درس في عدد من معاهد بغداد، ومنها حاصل على دبلوم المحاسبة، بعد عودته من العراق عمل مديرًا لبنك الرياض حتى تقاعده، نشر قصائده في لبنان بمجلة الأديب 1948 – 1953م، ومجلة العرافان 1950- 1954م، وفي مصر مجلة الكتاب  1952م – 1953م، وصوت البحرين 1950 – 1952م، وفي العراق مجلة الهاتف النجفية، 1954، ثم نشرها في ديوان شفق الأحلام دار الكتاب، القاهرة . د. ت.      

[10]) )ابن أحمد الجشي، ولد في القطيف سنة 1339هـ، وتوفي شهر رمضان سنة 1410هـ، شاعر مكثر، أكثر شعره في مديح النبي وأهل بيت عليه الصلاة والسلام. جمعه شعره الشاعر والأديب محمد سعيد البريكي، لكن لم يطبع إلى الآن.

[11]) ) يطلق عليه اسم الدرويشية، ما تزال قموجودة،تقع إلى الجنوب من مركز التنمية الاجتماعية، غير أن الإدارة نقلت إلى مبنى جديد على شارع القدس.

(1) عبد المحسن بن عبد الله جلوي بن تركي آل سعود، ولد مدينة الهفوف بالأحساء سنة  1346هـ، 1928م، في الأحساء، عينه الملك عبد العزيز أميرًا على الظهران 1358هـ، 1939م،  خلف أخاه سعودًا على إمارة المنطقة الشرقية إلى سنة 1405هـ حيث تقاعد عن العمل، سنة  توفي (رحمه الله) سنة 1405هـ.

خالد الفرج

(*)يقول الأستاذ خالد محمد الفرج(رحمه الله) – وكان وقت زيارة وفد الجامعة للمملكة العربية السعودية مقيمًا في جدَّة – أنه التقى بالوفد في جدة، حين مروره بها وهو في طريقه للرياض، وأن الأستاذ أمين الخولي قال له: «إنني أرغب الحصول على كتاب (الشافي)  للسيد المرتضى، فأين أجده؟».

يقول خالد: >قلت له: هل يتضمن برنامجكم زيارة مناطق البترول – المنطقة الشرقية؟<، قال: «نعم»، قلت له: إذن؛ اطلبوا زيارة القطيف، وهناك ستجدون الكتاب، وهكذا كان<، ثم يقول خالد: >إن ما كتبَتْه (بنت الشاطئ)  عن زيارتها للقطيف، وإشادتها بالحفل الذي أقيم للوفد فيها؛ أحدث ردَّ فعل لدى أدباء الحجاز، وقالوا: “كيف سبقنا أهل القطيف، وكرَّموا الوفد، وأهملنا، نحن، ذلك؟”<، هذا ما سمعته من خالد حينما جاء للقطيف بعد فترة من زيارة (بنت الشاطئ)  لها.

([13])جهاد قلم، مرجع سابق ص: 267.

يُتبع غداً

اقرأ الحلقة السابقة

[1] بستان السيحة وسَمَر في الذاكرة

شاهد حواراً تلفزيونياً مع الدكتورة عائشة عبدالرحمن

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×