مركز للعناية بالحمير.. غسيل.. “حوفرة”.. حنّاء.. تمريض.. “تفحيل”
القطيف: صُبرة
بدا الأمر وكأننا في أواخر سبعينيات القرن الماضي، حيث الدواب محتفظة بما تبقّى من مجدها القديم، متمتعة بعناية أصحابها. لكن حتى في ذلك الزمن الريفيّ؛ لم تكن العناية بالحمير على هذه الشاكلة. كان كل فلاح يعتني بحماره، من إطعام وغسيل وحنّاء وتشذيب حوافر. لكن المكان الذي دخلناه؛ بدا وكأنه مركز خاص بالعناية بالحمير، وتقديم هذه الخدمات في مكان خاص، وتجري الأعمال على أيدي شبّان هواة برعوا في ترويض الحمير ورعايتها، ولديهم خبرات عجيبة حتى في أنسابها..!
ركوب حمار
بدأت قصة ما نصفه بـ “المركز” بالصدفة، حين التقينا شابّاً في أواخر الثلاثين غربيّ بلدة التوبي، اسمه نزار إسماعيل. كان قادماً على حماره المرتبط بعربة “قاري”، من الغرب، حيث سيحة الخويلدية المحاذية للتوبي. طلبنا إليه إركابنا معه على سبيل المزاح. طرد بنا ذلك الحمار على امتداد الطريق الزراعي، تجاوز التوبي، مرّ بالخويلدية، ثم اتجه جنوباً ودخل بلدة الجارودية، وخرج من جنوبها عبر طريق زراعيّ، ولم يتوقف إلا في المكان الذي أراده قبل تطفلنا عليه. كان هدف صاحبنا غسيل حماره الذي يحمل اسم “وردي” في “مغسلة الحمير”. حين وصلنا؛ تكشّفت الصورة الظريفة..!
مشروع خاص
خليل جساس؛ هو القائم على المكان في النخل المسمّى “غرسة أم القطن” جنوبي الجارودية. لديه مزاج صاحب مشروعٍ خاص. الحمير، بالنسبة له، هواية وعمل. وتحت يديه مجموعة من “المرابط”، يعيش فيها أكثر من 20 حيواناً، بعضها ملك خاص له، وبعضها يُؤتَى به إليه للإقامة شهراً أو شهرين، لأغراض التلقيح المعروف محلياً بـ “التفحيل”. هذا العدد من الحيوانات في حاجة يومية إلى رعاية. من هنا جاءت فكرة تخصيص مغسلة.
دكات غسيل
عن يمين المدخل؛ مجلسٌ مفتوح على الهواء الطلق. وقُبالته 8 دكات إسمنتية منفصلٌ بعضها عن بعض بأنابيب فولاذية. تُجلب الحمير ويُوضع كلّ منها في واحدة من الدكّات، لتحصل على حمّامها المنعش. ثم تُعاد إلى “الزريبة”. عملٌ يوميّ رتيب. وما يبدو غريباً؛ ليس العناية بالحمير من قبل هواة تربيتها وركوبها. الغريب هو هذا العدد من الدكّات ليستوعب حمير النخل، وحميراً أُخرى يملكها آخرون يحضرون في حالة الحاجة إلى العناية بحميرهم.
هواية
فيما كان زوّار النخل يحتسون الشاي، ويخلطون الأحاديث؛ كان يحيى جساس ذو الـ 19 عاماً منهمكاً في دعك حمار وصبّ الماء عليه. بدا جادّاً حريصاً على ما يفعل. هو موظف في إحدى شركات القطاع الخاص. مال إلى تربية الحمير تأثراً بأسرته. وهو لديه دراية بأطباعها واحتياجاتها. بإمكانه ترويض أشدّ الحمير حدةً في المزاج، وبإمكانه ركوبها طبعاً. وهو يؤكد أن ما يفعله مصدر لمتعته الشخصية.. إنها “هواية”، كما يقول. ويحضر يومياً إلى النخل لهذا الهدف.. تعود ذلك منذ طفولته.
ومثله ابن عمّه حسن جساس الذي كان يدرس الكهرباء في معهد تدريب، قبل التحاقه بوظيفة في القطاع الخاص. تعوّد التعامل مع الحمير منذ صغره، يُجيد تطويعها، ويستمتع برعاية أمورها، رغم كثرتها في النخل. هناك أكثر من 20 حماراً، بعضها من سلالات ممتازة، وبعضها يعرف حتى آباءها.
حوفرة
الأمر لا يتوقف على غسيل الحمير.. هناك خدمات أُخرى. خدمة تقليم وتشذيب الحوافر. تُعرف محلياً بـ “المحوفر” و “الحوفرة”. إنها عملية دقيقة وحساسة بالنسبة للحمار. استخدام المبرد والسكين المعقوفة قد يؤذيه، وردة فعله ليست آمنة فيما لو وصلت قمة السكين إلى لحم قدمه. الأمر أشبه باستخدام مقص أظافر وقطع جزء من لحم الإصبع. ليست كل الحمير هادئة ووادعة.. لا أحد يضمن رفسة مباغتة في وضع كهذا، وفي قربٍ شديد على هذه الحال. وكل حمار يحتاج إلى هذه “الخدمة” بين فترة وأخرى، وترك الحوافر لتطول أكثر مما يجوز قد يُعيق حرية حركة الحمار.
زينة الحنّاء
هناك خدمة ثالثة؛ خدمة الحنّاء الدورية. إذا ما زال هواة تربية الحمير يحافظون على هذا “التقليد” بحذافيره.. هناك مواسم للحنّاء، وطرق، وخلطة خاصة، ومواقع محدّدة من جسم الدابة تُحنّى بهدف التزيين، وبهدف التبريد ايضاً. وهذه الخدمة ليست سهلة أيضاً. لا بدّ من إتقانها بدقة، وتبييت خلطتها، ومراعاة “مزاج” الحمار، خاصة ذلك النوع الحادّ المزاج، العدواني.
تمريض
أخيراً؛ هناك الخدمة العلاجية التي يمارسها أصحاب الحمير أنفسهم تحت توجيهات طبيب بيطري. هناك المضادات الحيوية والأدوية التي يُعطاها الحمار على يد صاحبه. يعرف صاحب الحمار حالة حماره الصحية، ينتبه إلى ارتفاع درجة حرارته، هزاله، سوء شهيته.. هذه الأمور يستعد لها بما حصل من إدارة الثروة الحيوانية، وبإمكانه تنفيذ عمل الممرض، وحقن الحيوان بطريقة آمنة..
شاهد الفيلم
في الفيلم القصير الذي نشرته “صُبرة” في قناة يوتيوب التابعة لها، تظهر كل هذه التفاصيل.
امل التواصل مع مسؤول الرفق بالحيوان بفرع وزارة البيئة و المياه و الزراعة او التواصل عبر الرقم المجاني ٨٠٠٢٤٧٠٠٠٠ ولكم الشكر