جعفر سنبل.. أول سعودي طالب بمصنع تمور قبل 62 سنة ولد في الجش.. ودرس الثانوية في حلب.. وحاز البكالوريوس من بيروت
[15] بستان السيحة وسمر في الذاكرة
عدنان السيد محمد العوامي
جعفر بن فيصل بن عبد الله آل سنبل
الأستاذ جعفر ابن الشيخ فيصل بن عبد الله بن أحمد بن كاظم بن علي بن محمد بن عبدالله بن عيسى آل سنبل، وهو ثاني نجم من نجوم سمرنا يتقدَّم أباه بسبب التزامي بالتسلسل الألف بائي.
الجش.. من أقدم البلدات
ولد سنة 1351هـ بقرية الجش، إحدى قرى واحة القطيف، في الركن الغربي الجنوبي منها. وعندي أنها من أقدم بلدات القطيف عراقة، فأقدم مصدر وقفت عليه تضمن اسمها هو (خريدة القصر وجريدة العصر)، للعماد الأصفهاني، ضمن ترجمته لأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن يوسف السكوني العبدي، الجُذَمي. إمام العَروض في عصره. درس العروض على علي بن الحسن بن إسماعيل العبدي، بعد عودته إلى القطيف من هجرته في البصرة، حيث تقيم أمُّه فيها تعلم الفتيات، وأمُّه هي الرشيدة بنت الفقيه أبي الفضل بن محمد بن علي بن المؤمل بن تمام التميمي، المالكي. شاعرة، غزِلة، من شعرها ما أجابت به ولدَها علي على قصيدة بعثها إليها:
لو لا الأماني، والتسويف والعلل
ما كان يكنِفُني سهلٌ ولا جبل
وكلما اشتد بي نارٌ تعذبني
فليس إلا دموع العين تنهمل
فإن تعللت أسبابًا لرؤيتكم
فكيف بي وبكم إن فاتت العلل؟
أهذي بكم حسب ما أحيا فإن حضرت
مني الوفاة وأوفى دوني الأجل
ناديت: لا تأخذوا ثأري بهم هِبَةً
هُمُ الأحبَّة إن جاروا وإن عدلوا
قد ضاع لُبِّي، وهامت هِمَّتي ولَهًا
يا غاية السؤل، قد ضاقت بي الحيل
لأُظْهْرُنَّ هوى قد كنتُ أكتمه
فليس لي في هوى أمثالكم خجل
وفَدَ عليٌّ هذا على الأمير عزيز بن المقلد العيوني، فأنزله محلة تسمى العطش سنة 554 فأقام فيها مدة تقارب ثلاث سنين، كذا في الخريدة: (العطش)، وليس في القطيف بلدة بهذا الاسم، فالأرجح أنه خطأ طباعي. إذ إن الجش ذكرت في (قانون نامة لواء القطيف لعام 959هـ، 1552م)([1])، ضمن قرى القطيف، وتاريخه قريب – نسبيًّا – من التاريخ الذي ذكره العماد، وإن أثبتها المترجم باسم (الجيش) بزيادة ياء، فالأخطاء في التراجم مألوفة. عاد العبدي – بعد هذه الإقامة – إلى بغداد سنة 557هـ، ولأهل تاروت ترة عنده، فالظاهر أن دخل تاروت دون دعوة فلم يلق أحدًا يضيفه، فأنشد في ذمها:
قبَّح الله ليلتي ومبيتي
أتلوَّى للجوع في تاروت
ليس عندي سوى ثيابي شيءٌ
مثل ميتٍ قد حلَّ في تابوت
وحصاني نضوٌ من الجوع مثلي
فاقدٌ قَتَّه، كفقدي قوتي
ها هي ذي الجشُّ ذات المجدٍ الباذخ علمًا وأدبًا، خرج منها علماء وأدباء يكفينا دليلاً إقامة علي بن الحسن العبدي آنف الذكر([2]) ومزاولته التدريس فيها. والله أعلم.
ولقد فاتني أن أدرج مدح أحد أبنائها البررة لها، وهو الشيخ محمد الزهيري عند إصداري لديوانه (الزهيرات)([3])، فعذري أنني لم أطلع عليه آنذاك، وإنما تفضل الشيخ عبد الله سنبل فنبهني إليه، وها هي الفرصة قد سنحت لاستدراك ما فات.
مما قاله الشيخ الزهيري في مدح الجش وأهلها، وجودة الورد فيها:
هي الجش، عين الخط، أم معدن المجد؟
أرى أهلها اعتدوا إلى نصرة المهدي
ومنها:
فلو شِمْت في يوم الكفاح رجالَها
وخِيلانُها قد سدَّ متَّسع الوَهْد
وما اشتهرت بالورد عفوًا بكثرة
ولكن لطيب فاح فيها على الورد
وعظَّمتُ قدر القوم من حيث سَودوا
عليًّا عليهم في التَّهاون والجِدِّ
فأنعم به مِن سيِّد ساد قومَه
صغيرًا فناديناه: يا سيد الأُسْد
ومنها
وفاق هناك الشيخُ بدرٌ بعلمه
لقد حاز علمًا، ليس يُنهىٰ إلى حدِّ
لقد فزت بالإنصاف، يا بدْرُ، والتُّقىٰ
فلا فرق بين الحُرِّ، عندك، والعبد)([4])
فليت الشيخ العمران أثبت القصيدة بكاملها لزاد في إحسانه إحسانا! لكنَّ (ما لا يدرك كلُّه لا يترك قِلُّه).
نشأته
في هذه البلدة الطيبة نشأ الأستاذ جعفر. تُوُفِّي والداه وهو لدن العود، ولم يكن له إلا أخت واحدة غير شقيقة، فتولَّى رعايتَه – في بداية الأمر – خالُه الحاج أحمد بن حسن آل سنبل، وقد عرضنا شيئًا من سيرته، وعرفنا من هو في الرجال وجاهةً، وكرمًا، وشجاعة جنان([5])، ورجل هذه صفاته لا بد لمن يتنشَّأ في كنفه أن تعلق به سماته وسجاياه.
تعلم القرآن الكريم ومبادئ الكتابة لدى معلم بلدته (الكتَّاب)، وأخذ الخطابة المنبرية عن أبيه منذ حداثة سنه، ثم التحق بالعمل لدى شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو)، في ١٨ أغسطس ١٩٤٨م، واستوطن مدينة الخبر.
كان من أوائل من ابتعثتهم أرامكو إلى حلب، فدرس فيها المتوسطة والثانوية، وفي عام 1959م ابتعثته أرامكو ثانيةً إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، فحصل منها على بكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية، وبعد تخرجه عمل بقسم العلاقات العامة في أرامكو.
أولع بالأدب من صغره، ونشر بعض مقالاته في الصحف المحلية، عدَّه محمد سعيد المسلم من الرواد الأوائل الذين مارسوا فن المقالة الصحفية في المنطقة([6]). وذكره السيد منير الخباز في أرجوزته (خير الأراجيز في تاريخ الوطن العزيز) عند ذكره حملة القلم بقوله :
وَجَعْفَرُ بْنُ سُنْبُلٍ وَالشُّرَفَا([7])
نَجْمٌ تَهَادَى وَتَسَامَى شَرَفَا
تقاعد من أرامكو في ٢٨ فبراير ١٩٩٣م، وتوفي (رحمه الله) بتاريخ ٢٢ أكتوبر ٢٠١٣م في مستشفى أرامكو بالظهران.
من كتاباته
وقفت له على عدد من المقالات، اخترت لهذه الحلقة ما يلائمها من كتاب (أقلام قطيفية في الظل) الذي أعمل على إصداره، أسأل الله أن يوفقني لإخراجه قريبًا.
كيف نستفيد من تمور الشرقية([8])
ما اجتمعتُ بفلاَّح أو مالكِ نخيل في المنطقة الشرقية إلا وشكا لي من رخص التمور في السنوات الأخيرة، ولقد كتب الناس الشيء الكثير عن التمور، وعن سبب إهمال الناس للنخيل، وكذلك كتبوا عن صناعة السكر، ولكني سأحاول في هذه المقالة أن أبين الفائدة التي يمكننا بموجبها تحسين حالة الفلاحين وملاكي النخيل، وزيادة إنتاجيتهم ودعم ما أقوله بالأرقام.
في عام 1960 قامت إدارة التنمية العربية في أرامكو بدراسة إنتاج التمور في المنطقة الشرقية، فتوصلت إلى أن منطقة الأحساء تنتج ما يقارب 32 ألف طن، والقطيف ما يقارب 11 ألف طن، وتؤكد لنا هذه الدراسة أن أنواع التمور في المملكة العربية السعودية تقارب المائة([9]).
وتختلف النسبة السكرية في كل منها، أما معدل النسبة السكرية في تمور المنطقة الشرقية فيتراوح ما بين 75 إلى 80 في المائة، والعشرين في المائة الباقية يمكن استعمالها علفًا للحيوانات، وأجود أنواع التمور هو الخلاص والرزير والخنيزي والغراء. وحتى يدرك القارئ أهمية التمور للبلاد ينبغي أن نُشَخِّص السوق التمرية وعلاقتها بالسوق السكرية.
إن الوحدة التمرية المتداولة في المنطقة الشرقية هي القلَّة، وقلة الأحساء تزيد وزنًا على قلَّة القطيف، أما قلة القطيف فتتكون من منين، والمن يساوي 36 رطلًا، فالقلة إذن تساوي 72 رطلًا بينما تبلغ قلة الأحساء 144 رطلًا، ومعدل ثمن القلة في القطيف يساوي خمسة ريالات ونصف؛ لذلك يبلغ ثمن رطل التمر قرشًا ونصف قرش، بينما يبلغ سعر رطل السكر سبعة قروش ونصف، فلو أنشأنا مصنعين للسكر واحدًا في القطيف وواحدًا في الهفوف لاستفدنا اقتصاديًّا، ولقد اخترت القطيف والهفوف لموقعهما الجغرافي الهام من الناحية الاقتصادية؛ ولأن هذين المصنعين سيشيدان قرب المادة الخام والطاقة المحركة، أضف إلى ذلك سهولة نقل إنتاجهما إلى المستهلك.
لقد اقترح بعض المواطنين الكرام من قبل أن يكون مصنع السكر في بريدة، بل وسائر مناطق هذه المملكة العزيزة مثل المنطقة الشرقية، ولكنه – على ما ذكرت آنفا – فإن المادة الخام، والقوة المحرِّكة، وسهولة نقل المادة المنتَجة إلى المستهلك؛ عناصر هامة من الناحية الاقتصادية، وإنه من الأفضل أن نشغل كل مصانعنا التي تشيد في المنطقة الشرقية على الغاز الطبيعي الموجود بكثرة في آبار الزيت. إن المحركات التي تشتغل بالغاز الطبيعي لا تكلف إلا الشيء اليسير، وهذا يخفف من تكاليف الإنتاج الذي على أساسه نحدد سعر المادة المصنوعة. ومن الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية استوردت 36 ألف طن من السكر من 16 دولة بلغت قيمتها 16 مليون من الريالات في عام 1375[هـ]. وهذا المبلغ دفع بالعملات الأجنبية، فلو أنشأنا مصنعين لوفرنا – أولا – ما يقابل 16 مليون ريال من العملة الأجنبية، وشغَّلنا أيدي عاملة وطنية، ورفعنا سعر القلة التي ستفيد كلاًّ من الملاكين والفلاحين على السواء. إن كثيرا من الفلاحين في المنطقة الشرقية تركوا الفلاحة ليشتغلوا في الأعمال الصناعية المجاورة، بل إن كثيرًا من ملاكي النخيل انخفض دخلهم، واضطروا لأن يتوظفوا في مكتب ما، أو أن يتعاملوا في التجارة، وهذا كله عائد إلى رخص التمور، وارتفاع أجور الأيدي العاملة؛ مما أدى إلى إهمال بعض النخيل.
لقد كان ثمن القلة القطيفية قبل 15 عام يتراوح بين خمسة عشر ريالا إلى عشرين ريالا. أما الآن فمعدل قيمتها خمسة ريالات ونصف، وهذا كله راجع – على ما اعتقد – إلى ترك التمور كغذاء أساسي لعدد كثير من السكان، واستبداله بالحلويات والمربيات والفواكه المتنوعة. إنَّ من الواجب علينا أن نسترجع كمية استهلاك التمور السابقة، وذلك باستخراج السكر منها، ثم تعبئتها بطريقة صحية حتى يستهلكها عدد كثير من السكان مع القهوة أو قبل الطعام.
إن مجموع ما تنتجه المنطقة الشرقية من التمور يبلغ حوالي 43 ألف طن، وكما تبين لنا من الدراسة التي أجرتها إدارة التنمية العربية في أرامكو أن النسبة السكرية في تمور هذه المنطقة يترواح بين 75 و80 في المائة؛ لذلك يمكننا أن نستخرج 34 ألف طن سكرًا من مجموع تمور المنطقة الشرقية، وبما أن التقرير الجمركي الرسمي لعام 1375 [هـ] الموافق 1956[م] يبين لنا أن ما استوردناه من السكر هذا العام هو 36 ألف طن؛ لذا فنحن بحاجة إلى زيادة ألفي طن. هذا مع العلم إن كمية السكر المستهلكة في ازدياد مستمر. ولا شك أن طريقة إنتاج التمور في المنطقة الشرقية الموروثة عن الآباء والأجداد بحاجة إلى تحسين، وأنه من الواجب على وزارة الزراعة -مثلًا – أن تقوم بدراسة تحسين طريقة إنتاج التمور في هذه المنطقة، واضعةً نصب عينيها تخفيض تكاليف الإنتاج للقلة، وزيادة الإنتاج حتى نتمكن من استخراج ما نحتاجه من السكر، ونصدر الفائض للدول المجاورة، وعلى ضوء الأرقام المتوافرة لدينا لا نزال بحاجة إما لزيادة إنتاج التمور، أو إلى زراعة الشمندر وقصب السكر.
لقد لاحظت أن كلاًّ من قصب السكر والشمندر ينمو في بعض المزارع بصورة مُرضية، فنستطيع الاستفادة منهما؛ لتكميل ما ينقصنا من كمية التمور، وحتى ينمو الشمندر وقصب السكر بكمية يمكننا أن نستخرج منها – على الأقل – ما نحتاج إليه من السكر؛ إذ إننا لو شيدنا مصنعًا لتعبئة التمور وصدرنا الفائض إلى الخارج لدعمنا سوقنا المالية، ورفعنا مستوى معيشة الفلاحين والملاكين على السواء. إن طريقة استخراج السكر من التمور والشمندر وقصب السكر واحدة، فيمكننا أن نزيد أو ننقص من هذه العناصر حسب مصلحتنا الاقتصادية. إن شعوبًا كثيرة في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية بحاجة إلى تمورنا؛ لأن كثيرًا من الشعوب في الدول المتخلفة اقتصاديا تستعمل التمور كغذاء أساسي مثلنا، ولا يزال بعضها الآن.
إن إنشاء مصنعين لتعبئة التمور على أساس صحي سليم ليشجع عددًا كبيرًا من أفراد الشعب على استهلاك التمور مع الحلوى والفواكه. وهذا بالطبع يخفف من استهلاك البضائع الأجنبية. ومن الواجب على كل فرد أن لا يصرف أي قرش إلَّا في محله حتى ندعم سوقنا المالية، ونرفع مستوى المعيشة لجميع أفراد هذا الشعب المجيد. وهذه الحقائق المدرجة تبين أننا نستهلك أكبر كمية من السكر بحيث إن المبلغ المخصص لتوريد السكر لمدة سنة أو سنتين كاف لشراء المعامل الخاصة، ولقد أجرِيَت تجربة استخراج السكر من التمر في العراق، ونجحت بشكل حسن. على ضوء هذه المعلومات يمكننا أن نستفيد من خبرة العراق وذلك بابتعاث بعض القابلين للتدريب المهني إلى العراق وتعيينهم في المصانع المفروض إنشاؤها. إن هذا العنصر الأساسي لدعم الصناعة في جميع الأمم هي الزراعة، فالصناعة بحاجة إلى المادة التي تعتمد عادة على الزراعة مثل القطن والتمور والشمندر وقصب السكر الخ، فبلادنا – إذن – بحاجة إلى تحسين طرق الزراعة المتبعة والموروثة عن الآباء والأجداد حتى تخفف من تكاليف الإنتاج، وبذلك تزدهر الصناعة في دولتنا العزيز.
دور الدولة في تكوين المواطن الصالح([10])
العلم أساسُ المجتمع الحديث، وقوة الأمة الحديثة تقاس بكثرة علمائها المتخصصين في جميع الحقول العلمية، القادرين على بثِّ الرفاهية بين أفراد الشعب وقت السلم، والدفاع عنها وقت الحرب، وحتى تكونَ أمةً حديثة، فإنه واجبٌ علينا أن ننشر العلمَ بين المواطنين عن طريق التربية السليمة حتى نصل إلى الدرجة اللائقة بين الأمم الناهضة، ولو أن تطور المجتمع البشري يعتمد على عدة عناصر مثل البيئة والعائلة، إلَّا أن التربية – على ما أعتقد – عنصر أساسي في تكوين الفرد. إن دور الدولة في تكوين الفرد واسع، تدخل فيه وسائل الإعلام، إلا أننا ينحصر بحثنا في التعليم، وبما أنه – أي التعليم – عنصر هام في تكوين المواطن الصالح فانه واجب على الدولة الاهتمام به وذلك عن طريق:
1 – فتح رياض للأطفال.
2 – الإسراع بفتح مدارس كافية لتهيئة المعلمين والمعلمات حسب أحدث الطرق التربوية.
3 – دفع رواتب عالية لجذب مدرسين وأساتذة أكفاء.
4 -تحضير كتب مدرسية مستقاة من البيئة المحلية والعربية على ضوء النظريات التربوية الحديثة.
5 – تشجيع الطلاب على البحث والتحليل والنقاش. وحتى يكون أساس تعليمنا سليمًا وجب علينا أن نفتح رياض أطفالٍ كافيةً لتستوعب جميع من هم في سن الرابعة إلى السابعة، وفتح رياض أطفال ضروري حتى تبثُّ روح التعاون والنظام بينهم من جهة، وتساعدهم في دراستهم الابتدائية والثانوية من جهة أخرى، بدلا من أن يضيعوا وقتهم في الطرق بين الأوساخ.
أما فتح مدارس لتهيئة المعلمين والمعلمات السعوديات على أساس الطرق التربوية الحديثة فمهم جدًّا، وذلك حتى نستطيع أن نملأ جميع المراكز في المدارس سريعة الانتشار بمدرسين ومدرسات سعوديات أكْفَاء، والطالب – كما هو معلوم – يقلد، عادةً، معلمَّه، فتدريب كل من له رغبة في التعليم على المبادئ التربوية الحديثة تمكنه من إدارة صفه وطلابه بطريقة حسنة، وتؤهله لتدريب شباب كفوء للقيام بواجبهم في تطوير البلاد في المستقبل.
إن بلادنا العزيزة بحاجة إلى شباب منتجين في جميع الحقول، وعندما يكون المدرس ملمًّا بالنظريات التربوية الحديثة يتمكن من القيام بعمله على أحسن وجه، وذلك بتوجيه الطالب حسب ميوله في الدراسات العالية، والاستفادة من مواهبه. إنَّ مستقبل الطالب يعتمد – عادة – على دراسته الابتدائية، فإذا وُجِد مدرس كفوء سيوجهه، بالطبع، إلى الطريق المفيد، فنتفادى ضياع المواهب الوطنية، وتجهيز المعلمات ضروري لنتمكن من تعليم أمهات المستقبل على إدارة البيت إدارة سليمة. والواجب على الدولة أن تدفع رواتب عالية حتى تجتذب مدرسين وأساتذة أكفاء خاصة الجامعيين منهم، إننا بحاجة إلى أساتذة سعوديين، وبدفعنا رواتب عالية سنجذب المتخرجين من الجامعات المختلفة بدرجة عالية، ونوظفهم كمعيدين في جامعة الملك سعود لمدة معينة من الزمن، ثم نرسلهم للتدرب على فن التعليم في الجامعات المختلفة بالدول العربية وأمريكا وأوربا الغربية؛ لنملأ أكثر المراكز بأساتذة سعوديين.
وتحضير المناهج المختلفة وتقويتها حسب متطلبات العصر مهم أيضًا، فالمناهج هي المادة الأساسية التي نستعين بها في تكوين المواهب، والبناء لا يكون قويًّا إلا بالمادة الثمينة لا الرخيصة، فيجب أن تكون المناهج متنوعة وقوية، حتى يتسعَ أفق الطالب، وتساعده في دروسه العالية من جهة أخرى، فلا يصح أن يوضع منهاج الحساب في صف ابتدائي يستطيع المدرس الكفوء أن ينهيه ويعيده خمس مرات في ثلاثة أشهر، هذه حقيقة، ولو أنها مؤلمة، والدليل الثاني هو أنه في عام 1959م قمت بزيارة أحد أساتذتي بالجامعة الأمريكية ببيروت، وفي أثناء الحديث أخبرني أن نسبة النجاح بين الطلاب السعوديين المرسلين عام 1958 حوالي عشرين في المائة. وهذا راجع – على حد قوله – إلى ضعف المناهج الابتدائية والثانوية، فالواجب، إذن، أن نضع مناهجَ مدرسيةً؛ عملية ونظرية قوية تساعد الطالب في دروسه العالية، وهذا يتطلب ـ على ما أعتقد ـ تحضير كتب مدرسية قوية مستقاة من البيئة المحلية والعربية حسب أحدث الطرق التربوية تحتوي على أحدث المعلومات، مرتبة ومصورة، وإنه لضروري أن يرافق هذه الكتب مختبرات للفيزياء والكيمياء في المدارس الثانوية، ومكاتب مدرسية حديثة في كل مدرسة مجهزة بأحدث الكتب حتى يستعين بها الطالب في زيادة معلوماته. وإنه ضروري تشجيع الطالب على البحث والتحليل والنقاش، لا على حفظ المادة غيبًا في المراحل الابتدائية والثانوية، حتى تساعده على القيام بعمل ممتاز مستقل في الجامعة. إن الدراسة الجامعية تتطلب من الطالب قراءة مراجع كثيرة، واستيعاب ما هو صالح منها، ثم تطبيقها على حل أي مشكلة، والحفظ غيبًا لا ينفع الطالب في هذه المرحلة الدراسية، ولا في الحياة العملية. إن إدارة الأعمال الصناعية الحديثة والدولة تتطلبان منا تجهيز جماعة في العلوم المختلفة التطبيقية والنظرية وهذا لا يتم إلا إذا رسمنا سياستنا التعليمية على ضوء العناصر المذكورة. إن الدراسة الابتدائية الثانوية مهمة لكل من يستمر في الدراسات العليا، فيجب أن نجهز جميع المدارس الابتدائية والجامعة بما تحتاجه من المدرسين والأستاذة والمعَدات الأخرى حسب العصر الحديث، إن بلادنا بحاجة إلى رسم سياسة تعليمية حسب ما تقتضيه مصلحتنا العامة ألا وهي تجهيز أهل المقدرة حتى نستطيع أن نملأ جميع المراكز المختلفة من عناصر أهلية؛ لذا فإنه من الواجب علينا تجنيد أفراد الشعب المجيد للإنتاج حتى تسود الرفاهية والهناء بينهم ويكونوا مواطنين صالحين).
————-
تنويه
جزيل الشكر، ووافر الامتنان لفضيلة الشيخ عبد الله سنبل، والأخ الأستاذ مشاري عبد العزيز أبو السعود على تفضلهما بتزويدي بهذه النبذة عن حياته، رحمه الله رحمة الأبرار.
————–
([1])قانون نامة لواء القطيف لعام 959هـ: د. فيصل الكندري، المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية، تونس، العدد (15-16، أكتوبر ونوفمبر، 1997، ص: 353.
([2])ديوان أبي البحر الخطي، تحقيق عدنان السيد محمد العوامي، مؤسسة الانتشار العربي، بيوت، الطبعة الأولى، 2005، جـ2/219 – 229، عن خريدة القصر وجريدة العصر، مجـ2، جـ4/682 – 690، وتكملة خريدة القصر، قسم العراق، ص: 857 – 867.
([3])دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ودار أطياف، القطيف، الطبعة الأولى، 1435هـ 2014م.
([4])الأزهار الأرجية، في الآثار الفرجية، الشيخ فرج العمران، منشورات دار هجر، بيروت، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م، جـ4/115 – 116.
([5])الأزهار الأرجية، في الآثار الفرجية، الشيخ فرج العمران، منشورات دار هجر، بيروت، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م، جـ4/115 – 116.
([6])ساحل الذهب الأسود، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، الطبعة الثانية، 1962م، ص: 29.
([7]) الحلقة التاسعة من هذه السلسلة.
([8])اليمامة، العدد 272 الصادر بتاريخ 15/11/1380، ص: 4.
([9])أحصى أحد المهتمين أصناف نخيل القطيف وحدها فبلغت 250 صنفًا.
(([10] جريدة اليمامة العدد 275 ، الصادر بتاريخ 6/12/1380هـ، ص5.
كان رحمه الله له وقفه يشهد بها الكثير في تسجيل جمعية الجش في الشؤن الاجتماعية وكان مواصل العطاء المادي للجمعية وله مساهمات في المشاريع كم تبرع بأرض للجمعية ومازالت عائلته مواصلة الدعم للجمعية حتى بعد وفاته رحمه الله
شكرا لكم سيدنا على هذا المقال التاريخي الجميل واحب توضيح او اضافة ان المرحوم جعفر فيصل تعلم القرآن على يد جدي لوالدتي المعلم الحاج المرحوم محمد حسن رضي آل مهنا حيث كان معلم القرآن في تلك الفتره
لكم خالص تحياتي