القاتل هو السرطان.. صباح أبو السعود تلحق بابنة عمّها الطبيبة “مريم” خلال 24 ساعة قريبات وجارات وصديقات الراحلة: أنموذج لكرم الأخلاق وجود النفس
القطيف: ليلى العوامي
قبل أن تمضي 24 ساعة على رحيل مريم عبدالإله عبدالمجيد أبو السعود أمس (الثلاثاء)، حتى لحقت بها صباح اليوم (الأربعاء)، ابنة عمها صباح عبدالباقي أبو السعود، المفارقة أن “القاتل” واحد؛ السرطان، الأولى في الثدي، والثانية في البنكرياس.
إن كانت رحلة مريم مع المرض دامت 14 عاماً؛ فإن ابنة عمها صباح عانت منه لـ14 شهراً فقط، وكانت الأشهر الخمسة الأخيرة الأصعب، حيث ساءت حالتها، ووصلت الذروة في الشهر الأخير.
وفيما وريت مريم الثرى عصر أمس في مقبرة سيهات، شيعت صباح إلى مقبرة الخباقة عصر اليوم، لتتجدد الأحزان في عائلة أبو السعود، خصوصاً في منزل زوجها عبدالكريم جواد أبو السعود، حيث أولادها: أحمد، وضاح، دانة وفاطمة، فقد رحلت “الأم الحنون والأخت العطوف والزوجة الطيبة والجارة الكريمة، وقبلها الإنسانة بمعنى الكلمة”، هكذا قال من عرف أم أحمد من قريبات وجارات وصديقات.
إخفاء الإصابة لما بعد الزواج
شقيق المتوفاة عبداللطيف أبو السعود، روى لـ”صُبرة” قصة صباح مع المرض “عرفت أختي بمرضها بعد زواج ابنها وضاح، كانت تشتاق لرؤيته متزوجاً، لذا أخفى عنها أبناؤها نتيجة التحاليل، لما بعد الزفاف”.
يصمت أبو حسن قليلاً، ليكمل بصوت منكسر دامع “ماذا أقول لكِ؟ وعن ماذا أتحدث؟ عن حنانها؟ لا يكفي؛ فقد كانت حنونة علينا إلى أبعد حد، منذ أن كنا صغاراً كانت دائمة السؤال عن أحوالنا، هي من اختارت لنا زوجاتنا، وإذا مرَّ يوم لم ترنا فيه؛ لا تكف عن السؤال، وإذا تأخرنا عليها يوم الجمعة بضع دقائق تتصل: ويش فيكم؟!”.
يكمل أبو السعود “حينما نسافر؛ تكون معنا باتصالاتها فهي الأم الحنون، كلماتها حنونة حينما تتصل: شحالكم أخوتي؟ شحال نسوانكم وأولادكم؟ هذه العبارة سنفتقدها من اليوم”، لم يستطع أن يكمل الحديث، فأكتفى بـ”ألف رحمة على روحك يا أختي”.
ما في زي أمي
وضاح عبدالكريم أبو السعود، ابن المتوفاة، الذي بالكاد استطاع الحديث مع “صُبرة”، لم يمتلك القدرة على الكلام، وإن كان يتمنى الحديث عن أمه، حاول التماسك قليلاً، واكتفى بالقول “ما في زي أمي في الدنيا كلها”، مضيفاً “أمي جنة، وهل يستطيع أحد أن يصف الجنة”.
حنونة على الجميع
دانة بدت أكثر تماسكاً من شقيقها وضاح، وهي تتحدث عن أمها، قالت “إذا قلنا للناس في القطيف: نحن أبناء صباح أبو السعود؛ كانوا يظهرون لنا مشاعر المحبة والاحترام، فأمي لم تكن حنونة علينا فقط، أو على بقية أفراد العائلة، كان حنانها لجميع من يعيش حولها، ومن تقابله في أي مكان”.
حاولت دانة استعراض بعض قصة أمها مع المرض، ولكنها لم تستطع “منذ شهر ذو القعدة الماضي عاشت في دوامة من الألم”، تواصل ودموعها على خديها وغصة الحزن داخلها “أمي المرتبة اللي تحب التنسيق في كل شيء، أمي تحب الألوان الزاهية والوجوه المزهرة، ربتنا هي ووالدي على قيم جميلة وأخلاق عالية، كانا في قمة الانسجام”.
صاحبة ابتسامة مميزة
تتسلم دفة الحديث امتثال أبو السعود، لتصف ابنة عمها بـ”صاحبة الابتسامة المميزة”، قائلة “الأمر والمرجع لله، صباح تركت الكثير من الذكريات الجميلة في ذاكرة من حولها، ومهما تكلمنا سيكون قليلاً في حقها، ولولا ظروف الجائحة لرأينا القطيف كلها مجتمعة في عزاءها، فهي العطوفة واليد الممدودة بالإحسان للجميع، لو سألتم عنها منطقة حي الحسين؛ فلن تجدوا من لا يعرف صباح”.
اسألكم الدعاء
تجمع بين ثريا مهدي أبو السعود، والراحلة علاقة قُربى و30 عاماً من الجيرة، تقول “أنا وبقية الجارات لم نر منها إلا كل جميل، خَلقاً وخُلٍقاً، تميزت بالكثير من الصفات الرائعة، فهي كريمة، متسامحة، بشوشة، محترمة بمعنى الكلمة، محبة لأولادها وزوجها، ومهتمة ببيتها وعائلتها وأهلها، دخلت كل بيوت القطيف وتركت فيها أثراً جميلاً بكرمها وعطائها”.
وأضافت “حتى في مرضها؛ لم تكن تترك السؤال عن الآخرين، ولم تُشعرنا يوماً بأنها مريضة، رغم ما أصابها من ضعف؛ إلا أنها قوية بحبها للناس، ودائما تردد علينا: أسألكم الدعاء”.
نور الحي
نوال منصور أبو السعود، وهي إحدى جارات الراحلة، فضلاً عن صلة القرابة، تصفها “نور الفريق صباح عبدالباقي، حينما تدخل مجلس تملؤه ضحكاً ونكاتاً وابتسامات، إن رآها المهموم إنزاح همه، وإن قابلها السعيد زادته سعادة بأحاديثها الشيقة”.
وأضافت “كنا نلتقي في المناسبات، وكانت تتصدر الجلسات والمناسبات، وما أن تكون هناك مناسبة؛ إلا وتراها أول الحاضرات، وضيافتها تصل قبلها، حتى في الواتساب كانت تمدنا بالحياة، لديها حضور جميل”.
تتذكر نوال كلمات صباح قبل أشهر حينما قدمت أول حفيدة بعد أحفاد ذكور، تقول “كلمتها أبشرها؛ فقالت بلهجتها القطيفية: ما شاء الله؛ أخوتها بيشدخوها وبينتفوها وبيسحبوها من قراعينها”.
تتذكر أيضاً “كنا إذا زرنا جارة أو قريبة وقُدِمَت لنا كليجة لذيذة؛ كان الجميع يعرف أنها من إعداد صباح، فقد كانت مشهورة بها”، مضيفة أن “معشرها طيب، وقد صنعت لها حضوراً كأنه عطر فواح في كل بيت تشمه، وما أن تحضر مناسبة إلا وتكون متصدرة الحديث، هي مميزة حتى بحبها لمساعدة الآخرين، ولها في ذلك مواقف كثيرة يعجز اللسان عن ذكرها، لا تسمع عن مُحتاج وتتركه، بل تسارع لمساعدته بكل ما تستطيع، فلا تسمع عن فاتحة أو زواج أو مناسبة حتى تراها حاضرة لتقديم يد العون والمساعدة، حقاً اليوم القطيف فقدت عنصراً نسائياً فعالاً”.
تسأل عن الصغير والكبير
ارتبطت شيخة علي أبو السعود، بعلاقة وثيقة مع الراحلة، قالت “عُرِفت الغالية أم أحمد بالطيبة والأخلاق؛ كانت محبوبة من الجميع، تميزت بابتسامتها وترحيبها بالصغير والكبير، لا تترك أحداً إلا وتزوره، أو تسأل عنه، حتى في مرضها؛ كانت تتصل وتسأل عن الكبير والصغير، ولا تسمع منها إلا: يا غناتي، أو يا بعد قلبي”.
أضافت الجشي عن صديقتها “سخية يد، لا تترك صلة الأرحام، رحلت رحمة الله عليها وتركت وراءها الأثر الطيب”.
رحلة المرض
ومن القريبات إلى الصديقات والجارات، علاقة نادرة الجشي مع الراحلة، مزدوجة، فهما صديقتان وجارتان، قالت نادرة عن رحلة صديقة عمرها مع المرض “قبل عام ونصف العام؛ كانت تشتكي من ألم في بطنها، وكانت تتعالج بالمسكنات، وأحياناً كان الألم يتحول إلى ظهرها، إلا أن تم تحويلها إلى مستشفى الملك فهد التخصصي في الدمام، وأظهرت الفحوصات والتحاليل إصابتها بالمرض الخبيث في البنكرياس، وتزامن خبر اكتشافه مع زواج أبنها، ولكن أبناءها لم يخبروها إلا في الليلة الثانية من الزواج، وحينما سمعت بالخبر؛ حدثتني قائلة: نادرة طلعت النتيجة، وطلعت مصابة في البنكرياس في ليلة جلوات زوجة وضاح بكيتِ، ولكن الأن أبكي حقيقة، فأنا مريضة بهذا المرض”.
تصف نادرة علاقتها بصديقتها صباح “نحن صديقتان منذ أن كنا صغاراً، حين كانت عائلتها تسكن في منطقة باب الشمال، لم نترك بعضنا، بيوتنا مفتوحة 24 ساعة، نأكل ونشرب ونضحك أيام البساطة”، مضيفة أن “أم أحمد تميزت بالكرم والعطاء والإخلاص والوفاء لكل من عرفها، وفي كل منطقة تسكن فيها؛ كانت تترك خلفها الذكر الحسن، لذا اليوم القطيف كلها تبكيها”.
صداقة طفولة وجيرة كبر
هنية حسين تقي الزاير، إحدى الصديقات والجارات القديمات للراحلة، قالت “نحن قريبات قبل أن نكون صديقات، فأمها ابنة خال والدي، درسنا سوياً في المعلم (الكتاتيب)، عند أم السيد حسين الحوري، حتى نالت صباح شهادة الثانوية العامة”.
تستمر في الحديث عنها “إذا سافرت وعدتُ من سفري كانت أمي تطبخ لنا الغداء، وبعدما تعبت أمي كانت صباح (رحمة الله عليها) تتصل بأمي أو أخواتي دون علمي، لتسألهم متى سأعود، وما أن أعود حتى يصل الغداء لباب منزلنا، وفي بعض المرات كنت أخبر أخواتي بألا يخبروها، فأنا لا أريدها أن تتعب، فما تقدمه لنا ليس قليلاً، فقبل 30 سنة تعرضت أنا لوعكة صحية؛ فكانت هي من تطبخ لزوجي وأولادي طعام الغداء يومياً، حتى الجيران كانت تطبخ لهم، لا أحد كان يتحسر على الأكل بوجود صباح، كانت تتضايق إذا لم نطلب منها المساعدة”.
اقرأ أيضاً:
الموت يخطف “قمر” عائلة أبو السعود بعد 14 عاماً من مواجهة السرطان