[وثائق وصور] وقف ضدّ “الضائعون” والمتلبّسين بالدين.. وساند تعليم المرأة [3] السيد حسن السيد باقر العوامي.. سارية وطن
[18] بستان السيحة وسمر في الذاكرة
السيد حسن العوامي
سارية وطن
دوره الوطني، ونشاطه الاجتماعي كيف ومتى؟
شهدت حقبة السبعينيات من القرن الهجري المنصرم، الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي بدايات التغيير الثقافي بمقوماته وعناصره كافة؛ الأدبي والعلمي والسياسي والاجتماعي، كما شهدت بداية تجاوز التبلور إلى سطوع التوهج، والتجلي، فبدأت تنقر القوقعة بقوة كي تطفر منها قافزة فوق أسوار المحلية الضيقة إلى الفضاء الأرحب، ففي الجانب الأدبي سطعت وجوه غيرت وجهتها من النشر الحجري في بمبي، وفي مطبعة النعمان في النجف، إلى مطابع وصحف بغداد وبيروت والقاهرة، هذا في الجانب الأدبي، أما في الجانب الفكري والسياسي فسرعان ما أخذت المنطقة في التبدل بعد تدفق النفط في المنطقة، وما رافقه من تسرب أفكار سياسية، امتزج فيها الوعي الوطني، بالقومي، والحقوقي، والنقابي، تلك الأفكار التي هبَّت رياحها العاتية مع تقاطر الناس إليها من كل أصقاع الدنيا.
هذه الحِقبة شهدت، أيضًا، دخول المذياع (الراديو)، وهو أول أسباب الانفتاح على العالم، واقترن وصول هذا الجهاز الغريب العجيب بنشوب الحرب العالمية الثانية، فكان المتعلمون يتابعون أخبارها، ويستمعون إلى تعليقات المعلقين السياسيين، كما يتشاجرون، بين مؤيِّد للحلفاء، وآخر للمحور، وما هي إلا سُنيَّات حتى تناهت إلى أسماعهم أنباء نكبة فلسطين، ودور الغرب المستعمر فيها، فاضطرمت مشاعرهم بما اضطرمت به مشاعرُ الأمَّتين؛ العربية والإسلامية – من لهب النقمة من الاستعمار، والدعوة إلى الثورة عليه والتحرر من نيره.
تمخض ذلك اللهب عن قيام ثورة يوليو، وصعود نجم عبد الناصر، ثم العدوان الثلاثي على مصر، بعد ذلك ثورة العراق، وما تلاها من ثورات على الثورات، انتهت باستلام البعث زمام الأمور في سورية والعراق.
في هذه الحقبة تموجت المنطقة بضروب شتى من التيارات والاتجاهات السياسية، المختلفة، المتصارعة، وظهر الانتماء الحزبي للعلن، بعد أن كان إيماءً وتلميحًا، فمن خلال النقاشات الفكرية، والعقدية التي تدار حتى في الدكاكين، والمقاهي، بله المجالس والمجامع. ومع النقاشات الفكرية طفت موجة الاعتراضات، ونقد المظاهر والممارسات القديمة بما فيها التشريعات الدينية والتقاليد والأعراف الاجتماعية.
في غمرة هذه الأمواج العاصفة المتلاطمة استشعر السيد حسن -كغيره من الملتزمين دينيًّا – خطرَ اجتياح الأفكار الوافدة، وتغلغلها – حدَّ الهيمنة – على عقول الناشئة، فصارت النقاشات والانتقادات للتشريعات الدينية علنية، كما أسلفت، ولم تعد محصورة في المجالس، أو المكاتب، سواء مع الأخوة العرب الوافدين؛ من معلمين وأطباء ومهندسين، أو طلاب مواطنين ومثقفين.
في ذلك المناخ أصدر كتابه (الضائعون) ، وهو لم يكن المنتج الوحيد في مواجهة تلك التيارات، ولم يكتف في التصدي لها بالنقاش والحوار، وإنما عمد إلى قيادة ثلة من الشباب المناوئ لتلك التيارات، ولفَّهم حوله، وشكل بهم تيارًا معارضًا تمثل دوره في نقل الاحتفالات الدينية التي كانت تقام بمناسبة ذكرى مواليد ووَفَيات النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) من صورتها التقليدية القديمة إلى صورتها الحديثة الجارية اليوم، وبنظرة سريعة إلى أدبيات تلك الحِقبة؛ ما نشر منها، وما لم ينشر، يدرك المرء كم كانت تلك النقلة مهمة، وضرورية تخرَّج فيها شعراء، وأدباء، ومفكرون سخَّروا مواهبَهم وأقلامَهم لصد تلك التيارات([1])، وكان لها أبلغُ الأثر في مواجهة ذلك المد وإيقافه، ناهيك عن تطوير أساليب الدعوة. أما عن الكتاب نفسه فقد كانت نواته سلسلة مقالات في مجلة لم يذكر اسمها، نَشرت منها خمس حلقات، ثم عدَلت لأسباب عزاها لحسَّاسيَّة ما فيها([2])<.
ولم يكن موقفه من تلك التيارات نابعًا من ميل أيديولوجي أو منتسبًا لأي غرض أو هوى، إلا غيرةً على الدين وقيم المجتمع، يتجلى ذلك في موقفه من المتلبسين بالدين أيضًا، فعما قليل سنعرض رسائله التي يوجهها إلى أعيان المجتمع ورموزه، وفيهم علماء دين وخطباء منبر، فلم يوفره من النقد أيضًا.
دوره العملي ومشاركاته
مشاركاته مع الوفود لمقابلة المسؤولين في أمور البلد والقضايا الوطنية والمطلبية، خصوصًا بعد عودته من مهجره، معلومة لدى الجميع حتى أنني لو زعمت أنها بالغة حد الاشتهار لما وجدت حرجًا، ولا خشيت لائمة، لكن دورَه ومشاركاته القديمة، قبل تأسيسه للتيار المعارض آنف الذكر، فلا أظن شباب اليوم قد علم بها.
في الشأن التعليمي والتثقيفي
في الحلقة الأولى ناقشنا سميرنا السيد حسنًا، وأخاه السيد علي في بداية افتتاح أول مدرسة للبنين في القطيف، وخلصنا إلى أن ذلك تم في شتاء عام 1366هـ وقدمنا صورة خطاب الملك عبد العزيز (رحمه الله) يَعِدُ فيه أهالي القطيف بافتتاحها في ذلك العام، وأن أول مقرٍّ لها كان مبنى مستأجرًا هو عمارة النهاش في سوق الجبلة، ثم شُيِّد لها مقرٌّ دائم على ساحل البحر. وما زال لدينا مزيدٌ من الأخبار عن نشاط تلك المدرسة سنعرضه في مكانه
لجنة تشجيع الطلاب([3])
>في عام 1366هـ، 1947م، فتحت الدولة أوَّل مدرسة ابتدائية بالقطيف للبنين([4])، فكان الإقبال عليها ضعيفًا، وكان عدد كبير ممن التحق بها قد تجاوز سنَّ المرحلة الابتدائية؛ إذ كانت أعمارهم تتراوح بين 12 – 16 عامًا، بسبب إحجام الأهالي عن الالتحاق بها، فرأت نخبة من الشباب المثقف أن أنجع وسيلة تشجع الناس – ولاسيما الفقراء – على الالتحاق بالمدرسة، هو مساعدتهم ماديًّا، فكونوا لجنة أسموها (لجنة تشجيع الطلاب)، وغرَضُها واضح من اسمها، وهو تشجيع الأطفال الصغار على الالتحاق بالمدرسة، والاستمرار فيها، عن طريق جمع التبرعات، إلى جانب ما يدفعه أعضاؤها من اشتراكات شهرية. >وقامت بتزويد الطلاب بما يحتاجون إليه من دفاتر، وأوراق, وأقلام, وكتب، كما أنها زودت الطلاب، الفقراء، بملابس جديدة، وكانت تقوم بذلك في أول العام الدراسي، وفي الأعياد.
ولقد نجحت الفكرة، وزاد عدد التلاميذ ازديادًا ملحوظًا، واشتد الإقبال على المدرسة، وصارت اللجنة تتعاون مع إدارة المدرسة في بحث مشاكل المدرسة، وحاجاتها، بعد أن حصلت على تصريح، بذلك، من إدارة التعليم بالدمام، وكان لتشجيع مدير التعليم بالمنطقة، آنذاك، الشيخ عبد العزيز التركي([5]) (رحمه الله) أثره الفعال في إنجاح اللجنة؛ إذ أصدر أوامره لإدارة المدرسة بوجوب التعاون مع اللجنة، وانتداب اثنين من أعضاء هيئة التدريس لحضور جلسات اللجنة عندما تكون جلسات اللجنة مخصصة لبحث مواضيع تتعلق بالمدرسة والطلاب، وأصبحت اللجنة، وكأنها مجلس إدارة للمدرسة.
وكان الأستاذ عبد الله أحمد شباط – الكاتب والأديب المعروف – أحد اثنين كانا يحضران جلسات إدارة اللجنة؛ لأنه، يومها، كان مدرِّسًا بهذه المدرسة. كما قامت اللجنة – بالاشتراك مع إدارة المدرسة – بالإعداد والإشراف على تمثيل المسرحيات، ومن جملة المسرحيات التي مثَّلها الطلاب مسرحية (وامعتصماه)، وقد حضرها أمير المنطقة، يومذاك، عبد المحسن بن جلوي، وبعض مدراء وأساتذة المدارس الأخرى من غير القطيف، ونجحت المسرحية نجاحًا باهرًا.
وقد قام بالتمثيل فيها كبار السن من الطلبة، واشترك معهم بعض صغار السن من ذوي المواهب الأذكياء، واستمرت اللجنة لمدة ثلاث سنوات، ثم حُلَّت من قبل الحكومة بسبب منافسة آخرين كوَّنوا لجنة أخرى لمنافسة اللجنة في قصة طويلة، ومؤسفة لا داعي لذكرها، وحُلَّت اللُّجنتان([6])، ولكن (لجنة تشجيع الطلاب) استطاعت – رغم قصر عمرها – أن تغرس في المجتمع – ولاسيما بين الطبقات الفقيرة – فكرة وجوب التحاق كل طفل بالمدرسة؛ إحساسًا بفائدة التعليم<([7]).
ما دمنا في حرم هذا السيد الجليل، المعروف بالصراحة، ومقت الخلاف، أكبر داء يفت في وحدة المجتمعات، ويُعيق نموها وتقدمها، لا ندحة من بيان حقيقة أن حل هذه اللجنة كان بسبب صراع البقاء بين فئة الشباب التي ترى نفسها الأحق بقيادة المجتمع لما تتمتع به من علم وثقافة، وفئة الشيوخ التي تظن بغريمها الشباب الطيش والتسرع وقلة الخبرة، وإن كان يحمد للفئتين التعاضد في الشأن المطلبي، كما تظهره المرفوعات الممضاة من الطرفين.
المكتبة الأهلية العامة
>في عام 1374هـ، 1955م؛ قام جماعة من شباب القطيف بإرسال خطاب للملك سعود يطلبون فيه السماح لهم بفتح مكتبة عامة بالقطيف، وقد صدرت موافقة الملك سعود على ذلك، وأُعطي أهل القطيف رخصة بفتح مكتبة عامة، ففتحت المكتبة، وأُطلق عليها اسم (المكتبة الأهلية العامة بالقطيف)، واجتمع الموقِّعون على الخطاب، وأسندوا لكل من حسن صالح الجشي، وكاتب هذه السطور مهمة القيام – بصورة مؤقتة – بأعمال التأسيس، والإدارة للمكتبة، فقاما بجمع التبرعات، والطلب إلى الراغبين الاشتراك في عضوية المكتبة، والالتزام بدفع اشتراكات شهرية، واستأجرا محلًا؛ ليكون مقرًّا للمكتبة. كما قاما بالكتابة لكبار الشخصيات، والتجار في المنطقة، وبعض كبار موظفي الدولة يطلبان منهم مساعدة المكتبة، والتبرع لها، وقد حصلا على تجاوب من البعض، وتبرعوا للمكتبة بمبالغ لا بأس بها، كما قام عدد من الشباب بالتبرع للمكتبة بجزء من مكتباتهم الخاصة، وتكوَّنت، بذلك، نواة – لا بأس بها – من أجل تأسيس مكتبة؛ إذ لم يكن بالإمكان – بادئ ذي بدء – شراءُ عدد كبير من الكتب لتوسيع مكتبتها.
وقد اقتصرت الكتب، الموجودة فيها، على التبرعات، ولكنها صارت توفِّر عددًا لا بأس به من الصحف العربية – جرائد ومجلات – أسبوعية، وشهرية من التي تباع في السوق لتُيسِّر للأعضاء إمكانية القراءة، والإطلاع على مختلِف الصحف، وتوفر عليهم تكلفة شرائهم لهذه الصحف. كما قمت بصياغة مشروع مواد النظام الداخلي للمكتبة؛ كي يُعرض على أول مجلس إدارة ينتخب لمناقشته، وإقراره في صورته النهائية، وحينما أكملتُ، والجشي، المهمة التي أسندت إلينا، ووقفت المكتبة على قدميها، صرحًا ثقافيًّا، قمنا بتوجيه الدعوة للجمعية العمومية لعقد اجتماع لها من أجل انتخاب مجلس إدارة جديد، وعقدت الجمعية العمومية اجتماعها بمقر المكتبة مساء الخميس 27/1/1375هـ، 15/9/1955م، وألقيت تقرير اللجنة المؤقت، فشرحت فيه الخطوات التي اتخذناها والأعمال التي أنجزناها، واختتمت التقرير مخاطبًا المجتمعين قائلا: >هذه هي مكتبتكم، ومصيرها بين أيديكم<، ثم جرى انتخاب مجلس إدارة جديد يتكون من خمسة أشخاص، واختير حسن صالح الجشي رئيسًا لمجلس الإدارة، وانتُخِبت، أنا، سكرتيرًا، والشاعر عبد الواحد حسن الخنيزي (S) أمينا للصندوق، وأخي السيد حسن العوامي عضوًا، وعضو آخر نسيت اسمه، وأصبحت المكتبة بمثابة ناد أدبي، وهو ما كنا نهدف إليه عند تقديم الطلب بالسماح لنا بفتح مكتبة، وصار الشباب يجتمعون في المكتبة مساء كل يوم يقرؤون، ويتناقشون.
وقد خُصصت غرفة للقراءة، وصالة عامة للجلوس والمناقشات، وصار يرتادها الأساتذة والمدرسون من أبناء البلاد العربية الذين تتعاقد معهم الدولة للتدريس في المدارس، وكانت تجري بينهم وبين الشباب المناقشات في مختلِف القضايا العربية – السياسية والأدبية – وغيرها..
واستمرت المكتبة تؤدِّي رسالتها حتى حدثت المشكلات العمالية الثانية في ذي القعدة 1375هـ، يونيو 1956م، وطالت تلك المشكلات عددًا من أعضائها النشيطين بمن فيهم أمينها العام، السكرتير، كاتب هذه السطور، وكادت تطال رئيسها حسن الجشي، فقلَّ روَّادها، وتقاعس الكثيرون عن دفع الاشتراكات الشهرية، وصارت مَدينةً لصاحب المقر، وطالبهم بتسديد ما عليهم، وإفراغ المحل، وقام بعض الغيورين بجمع مبلغ سددوا به إيجار المحل، ثم استأجروا لها مكانا صغيرا – دكانًا في داخل القلعة – ونقلوا إليه أثاثها وكتبها، وأقفلوها، وظلت مغلقة([8])<.
نشرت جريدة اليمامة خبر صدور الترخيص بافتتاح المكتبة في الصفحة الثانية من عددها الأول، غرة صفر 1375هـ، 18 سبتمبر 1955م، واستمرت في تأدية مهامها حتى سنة 1389هـ، 1969م، حيث أقفلت ونقل ما تبقى فيها من الكتب والصحف إلى مركز الخدمة الاجتماعية. (صورة صفحة الجريدة مرفقة بالمقالة.
مدارس البنات
وصف أخوه السيد علي (رحمه الله)، تلك الفترة فقال: >قُبيل اتخاذ الحكومة السعودية قرارًا بفتح مدارس للبنات في المملكة بسنتين؛ رفع مجموعة من المواطنين طلبًا للملك سعود (رحمه الله) بفتح مدرسة للبنات في القطيف، وبعد رفع الطلب بفترة قصيرة استدعت شرطة القطيف الأشخاص الموقعين على الطلب….”..
وبعد ذلك بمدة “قام بعض الشباب، الآباء، واستأجروا مكانًا، واتَّفقوا مع بعض الأساتذة، غير السعوديين، الذين يُدَرِّسون في مدارس الأولاد على أن تقوم زوجاتهم بتدريس البنات، وهكذا فُتِحَت في القطيف أول مدرسة أهلية للبنات، وكان في طليعة المؤسسين، الملتزمين بالصرف على هذه المدرسة من الشباب، هم: المرحوم حسن صالح الجشي، وسيد علي العوامي، وسيد حسن العوامي، ومحمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، والمرحوم عبد الواحد حسن الشيخ علي الخنيزي، وغيرهم، لا أذكر، الآن، أسماءهم.
وبعدها بسنتين صدر قرار من قِبَل الأمير فيصل، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، يومذاك، بفتح مدارس للبنات في المملكة، وافتُتِحت أول مدرسة للبنات في الدمام والخبر، ولم تُفتَح في القطيف، وعُيِّن شخصٌ اسمه علي الصُّقَير مندوبًا لرئاسة تعليم البنات بالمنطقة الشرقية، ومقرُّه الدمام، وقام أهل القطيف بالإبراق للملك فيصل يطلبون فتح مدرسة للبنات بالقطيف؛ موضحين أنهم كانوا أوَّل من طالب بذلك قبل أن تقوم الدولة بفتح مدارس للبنات، وجاءهم الرد بأنه ستُفتَح لهم مدرسة في القطيف في السنة الدراسية القادمة. ولقد كان لموقف مندوب تعليم البنات الأستاذ علي الصقير – المؤيد والمساند، مشكورًا، لطلب أهل القطيف – الأثر المباشر في التعجيل بفتح مدرسة للبنات في القطيف، وهكذا فُتِحَت أول مدرسة للبنات في القطيف عام 1382هـ، وكانت نواتها المدرسة الأهلية التي أسسها أهالي القطيف واستلمتها منهم الرئاسة [العامة لتعليم البنات]< ([9]).
واضح أن الزمن، والظروف التي تعرض لها السيد علي العوامي (رحمه الله) شوشا ذاكرته بعض الشيء، فالمدرسة لم يستأجر لها مقر في بداية افتتاحها، بل افتُتِحت في حسينية آل العوامي، ثم نقلت إلى حسينية الزريب، وحين ضاقت عن استيعاب الطالبات استؤجر لها الدور العلوي من مبنى يملكه الحاج مهدي بن محفوظ القطري، يقع بحي البستان، مقابل دروازة (بوابة) باب الشمال، وهو المبنى الذي ضمت فيه الدولةُ المدرسة إليها([10]).
مجلسه
يراد بمصطلح المجلس في القطيف ما يراد بالديوانية في غيرها، وقد اعتاد أهل القطيف، وما زالوا، الجلسات اليومية يستقبلون فيها الأصدقاء. بعضها ليلًا، وبعضها عصرًا، وفي الوقت الراهن اقتصروا المجالس على يوم واحد، أو ليلة في الأسبوع. فإن كان صاحب المجلس أديبًا فأكثر من يرتاد مجلسه الأدباء والشعراء والصحفيين، وبعض المجالس وجاهية مجردة، ليس فيها أكثر من تبادل الأحاديث والنقاشات الاعتيادية، أما مجلس السيد حسن، وهو أسبوعي، فمختلف تمامًا، إذ يتم فيه مناقشة أوضاع البلد وقضاياه، واحتياجاته، وتصاغ فيه خطابات المطالب المراد تقديمها للمسؤولين في الدولة بغية علاج تلك الاحتياجات.
بحوزتي العديد من صور تلك الدعوات، لكن المجال لا يتسع لها بكل أسف، لذلك أكتفي بنصين اثنين من تلك الدعوات التي يوجهها للشخصيات التي يأنس فيها الاهتمام بالشأن العام والرغبة في العمل من أجله:
الأول:
نسخة موجهة لي بالاسم وهو طويل اقتطعت منه ما يحتمل مقتضيات النشر الإلكتروني
> بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة الأخ السيد عدنان السيد محمد العوامي
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته:
في رحاب ذكرى مولد الإمام الحجَّة، الذي يملأ الله سبحانه وتعالى – بظهوره أبارك لكم هذه الأيام العطرة بأنفاسه المباركة، التي عما قليل نستقبل بعدها شهر الفضيلة والمغفرة والرضوان، أعاد الله الجميع على أمثاله هذه المناسبات التي تفيض خيرًا ويمنًا، والجميع بأتم الإيمان والتلاحم والصحة وموفور السعادة.
جميل أن نلتقي – ولو من وراء الكلمة – لنجدد التذكير بما سبقت الإشارة إليه بما يعني الوطن والمواطنين، وكثيرة هي المواضيع التي طرقتُها، والرؤى التي طرحتها أمام مجموعة كبيرة ممن لهم تأثير على الآخرين – أهل العلم والخطباء – بقصد معالجة السلبيات التي من الممكن أن نطلق عليها أمراضًا اجتماعية، وتبنِّي الآراء والمقترحات التي حوتها بعض الرسائل التي تقدمت. وإذا كنت لم أر استجابةً ظاهرة فإن ذلك لا يقعدني عن معاودة المحاولة، وإن ربما استثقل البعض، فلا أقل من أن تكون باعثَ ذكرى، واجبًا يُقضى، والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى.
يغبطنا الآخرون بأنَّ عندنا – دائمًا وأبدًا – تربية متتابعة –وتهذيبًا متواصلًا، وتقويمًا لسلوكنا وأخلاقنا وتعاملنا في حياتنا اليومية مع الأسرة والمجتمع، في البيع والشراء، في الأندية والمدارس، في اللجان، في المساجد والحسينيات، في أسلوب التلاقي والمخاطبة والتعارف، في قوة الالتزام بالأمور الواجبة، واجتناب القضايا المنهيِّ عنها، ولاسيما ذات العقوبة المزدوجة، أو التظاهر بفعل القبيح في جنباته المتعددة، في جملة العلاقات والتعاملات الاجتماعية وكل المرافق، مما يصورنا مجتمعًا مثاليًّا كما يريده لنا قادتنا الأئمة الأطهار عليهم السلام، وذلك بفضل المنبر الحسيني الذي نتواصل معه حضورًا واستماعًا على مدار السنين، ليلًا ونهارًا ، فهو بمثابة التعليم ابتداءً من الروضة وانتهاءً بالتخرج. هذا عدا ما يلقيه أئمة المساجد من إرشاد وتعاليم، وعدا ما يعقد من ندوات ومحاضرات، وبرامجَ تستعرض وتناقش مختلِف القضايا والمواضيع التي تمس المجتمع وعلاقات الأفراد، ولكنَّ هذا الزخم الكبير المذهل مما نرى ونسمع من المآتم التي عمَّت كل حارة – فضلا عن كل مدينة وقرية، وهذه المناهج والبرامج، ولاسيما التي تُعقد كل عام في شهر رمضان المبارك، بما تحفل به من حقول متنوعة في العقيدة والتربية والسلوك والتعاطي والتعامل، كل ذلك الكم الهائل المفزع لمن يراه من غيرنا – ولاسيما في عشرة محرم – هل كان له أثر في حياتنا وفي سلوكنا، وفي تعاملنا وتعاطينا وفي علاقتنا الحياتية بمختلف أصعدتها، ولاسيما الشباب منا؟ أشك في ذلك، بل أكاد أقطع، وإذا أحدٌ يعتبر ذلك مبالغةً أو إساءة ظن بالشرائح الاجتماعية على تفاوتها، فلنا أن نستعرضها لنرى. ونبدأ بشريحة العلماء والمنتسبين إليهم. هذه الشريحة، وهي القيادة في المجتمع، يسودها سوء الظن، وعدم الثقة في بعضهم البعض، وشيء كبير من الأنانيَّة عند كثير منهم، هل نحتاج إلى دليل؟ هل أذكر أن التحاسد والبغضاء أوصل الخصام إلى التقليد والمرجعية؟ هل أقول إن البعض لوم الفرد من الناس لأنه لا يصلي خلفه، وأنه يخمِّس عند فلان؟ هل أصرح بأن البعض يدعي وكالته عن بعض المراجع ليقبض الحقوق، ويصول بها ويجول، والمرجع نفسه يحرر أنه غير وكيل له، ويأمر بقراءة رأيه على العموم، ومع ذلك يصر الزاعم على زعمه الكاذب؟
————-
[1]))انظر مثلًا: كتاب (شعراء القطيف للشيخ علي المرهون، مطبعة النجف، النجف الأشرف، 1385هـ. القسم الثاني، والقطيف وأضواء على شعرها المعاصر، عبد العلي يوسف آل سيف، مطابع الفرزدق، الرياض، 1406هـ.
[2]))من وحي القلم، السيد حسن العوامي، (الحلقة الأولى)، دار المحجة البيضاء، بيروت، الطبعة الأولى، 1423هـ 2002م، ص: 10.
[3])) أقيمت في مدرسة البحر.
[4])) هذه الحقبة هي التي تختص بنشاط السيد حسن، وإلا فالمدرسة كانت موجودة منذ العهد التركي، واستمرت بين مد وجزر في بداية العهد السعودي الحالي. انظر: التعليم في القطيف، ماضيه القريب وبدايات التحديث، قطوف وحروف، عدنان السيد محمد العوامي، دار أطياف، القطيف، ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت الطبعة الأولى، 1440هـ 2019م، ص: 37 – 38.
[5])) عبد العزيز التركي: أول مدير للتعليم بالمنطقة، وله اليد الطولى في انتشار التعليم فيها، وقد نُقِل – بعد ذلك – ملحقًا ثقافيًّا بلندن، وبقي في هذا المنصب سنوات طويلة حتى وافته المنية عام 1405 هـ، 1985م.
[6])) انظر: التعليم في القطيف – توثيق الجهد الأهلي المبكر، جعفر محمد العيد، مجلة الواحة، بيروت، العدد: 53، ربيع 2009م، ص: 152 – 168.
[7]))الحركة الوطنية السعودية 1953 – 1973، السيد على السيد باقر العوامي، رياض الريس للكب والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 2015، جـ1/96 – 97.
[8]))هذا يؤيد ما جاء في كتاب الحركة الوطنية السعودية 1953 – 1973، مرجع سابق، جـ1/98 – 99.
[9]))الحركة الوطنية السعودية 1953 – 1973، السيد على السيد باقر العوامي، رياض الريس للكب والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 2015، جـ2/361، الهامش (9).
[10]))انظر: خيوط من الشمس، قصة وتاريخ، محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ 2000م، جـ1/279 – 280، مع التحفظ على كثير مما في المصدر غير هذا.
الصور التالية، من حفل تكريم للسيد حسن العوامي، أقامته ديوانية القطيف في 28 رمضان 1428هـ، والصور للفوتوغرافي سمير موسى النشمي. وقد وصلتنا عبر المهندس عباس الشماسي، مشكوراً.