الثقة وحدها لا تضمن النزاهة
حبيب محمود
في واحدة من قضايا الأوقاف الدائر حولها جدل، في القطيف، مشكلة 7 أوقاف تحت ولاية فردٍ واحدٍ. وتدرُّ هذه الأوقاف بعض المال المعقول على الوليّ. بين الأوقاف مسجدان، ونخلان يُنتجان، ونخلان آخران جرّفت نخيلهما. علاوة على مزرعة سابقة استأجرها رجل أعمال وأقام مكانها مجلساً خاصّاً بضيوفه.
المشكلة القائمة في الأوقاف السبعة؛ هي أن “الوليّ” المؤتمن عليها ليس لديه أي سجلّ يوثّق إيرادات الأوقاف ومصروفاتها. وحين سُئل عمّا في ذمته من المال؛ لم يُقدّم إفادة يمكن أن تصمد عند التدقيق.
ليست هذه مشكلته وحده، بل هي مشكلة مجتمع وصلت إلى حدّ المعضلة. أوقاف القطيف؛ كانت ـ وما زالت ـ منطقة صراعٍ خفيٍّ قديمٍ، احتدّت حوله الحناجر، واحترّت المراسلات، وسالت فيها أحبار على أضابير التقاضي غير المتراضي..!
شخصياً؛ سنحت لي فرصة الاطلاع على وثائق مراسلات قديمة جداً، بين متنازعين في أوقاف، فكانت الصدمة تطمس الصدمة؛ بفعل لغة تنازعٍ صارخٍ في وضع اليد على بستان هنا، ومبنى هناك. كانت النخيل ثروة استراتيجية في زمن التمر والسلوق، ثم صارت ثروة في زمن العقار والتوسع العمراني. ولم يتغيّر شيءٍ في طريقة الولايات على الأوقاف، ولم تتطوّر آلية المحاسبة والمساءلة. بل لا توجد ـ حتى الآن ـ أي آلية تضمن الشفّافية، وكلُّ شيءٍ متروك لبركة “العدالة” الظاهرة..!
صاحبنا ذو الأوقاف السبعة؛ لديه قرار فردي يتخذه وقتما يشاء، يؤجّر هذا، ويُنهي عقد إيجار ذاك. ويحدّد سعر الإيجار هنا، وسعر الإيجار هناك. هو صاحب القرار، سواء كان السعر موافقاً لوضع السوق أم مخالفاً. وهو يقبض الأموال ويتصرّف فيها، وفق ما يراه مناسباً، بحكم أنه “محلّ ثقة” فقط.
وهذا لا يعني أنه ليس أميناً على ما تحت يده، ولا يُشير هذا المقال إلى اتهامه بسعة الذمة، أو “طول” اليد..!
لكن الآلية التي هو عليها؛ هي الآلية التي تحتاج إلى إصلاح، لصيانة الشفافية ودعم المسؤولية.
في الأزمنة القديمة؛ كانت الأوقاف تُدار بأفراد، كما تُدار أغلب الأمور بأفراد. أما في زمننا؛ فإن الوضع اختلف. معاملة الوقف معاملة الملكية الشخصية؛ لم تنجح في الزمن القديم، ولن تنجح في زماننا، ولن تنجح في المستقبل. ببساطة؛ لأن الثقة “المطلقة” تتعارض ومباديء الشفافية، وما لم تتحقّق الشفافية؛ فإن “النزاهة” سوف تبقى محلّ تشكيك، مهما كان الوليّ أميناً..!
صاحبنا ذو الأوقاف السبعة مجرد وليّ واحد، بين مئات الأولياء على الأوقاف، وأغلبهم أفراد يحظون بالثقة. وهذه الثقة “المطلقة” هي التي راكمت قضايا الأوقاف إلى حدّ باتت هذه القضايا أصخم من قدرة دائرة الأوقاف على الفصل فيها. هناك قضايا مُخجلة، ومعقّدة، وحلحلتها تتطلّب زمناً طويلاً، وتُنتج مشكلاتٍ في الحقوق. وكلّ ذلك؛ سببه أن المسؤول “فردٍ” يقرّر ما يتوصّل إليه تقديره وحده..!
لو كان المسؤول مجموعة، أو لجنة، لتوزّعت المسؤولية، وباتت الإدارة أقلّ سوءاً.
ومن مسؤولية دائرة الأوقاف والمواريث أن تؤسس آلياتٍ جديدة، لتطوير إدارة الأوقاف، وتحقيق مبدأ الشفافية والنزاهة، والحيلولة دون إهدار هذه الثروة، وتسرّب إيراداتها، أو تداخلها مع المال الشخصي.
فهل لدى الدائرة مثل هذا المشروع..؟
نتمنى ذلك.
الحل سهل في نظري :
جعل الأوقاف تدار عن طريق الجمعيات الخيرية في المنطقة ..
الجمعيات لها سجلات و بالتالي بالإمكان رصد مداخيل و مخارج الأوقاف ..
و الإدارة تتغير و ليست محكورة على أفراد .
و الله أعلم .