التَّوْبي.. الشاعرةُ أكثر مما يبدو..!
مسقط رأس أبي البحر الخطّي (980 ـ 1028هـ)، وعدنان العوامي. ومع ذلك لا تبدو القرية الصغيرة شاعرةً على حقيقتها الأكثر اخضلالاً. الخطّي سرقته البحرين، والعوامي استعادته القلعة. واحتفظت التوبيّ بتوبيّتها ريفاً حميماً ملتصقاً بالأرضِ..!
لصغر مساحة عمرانها؛ كان القطيفيون يتندّورن بتسميتها “الاتحاد السوفيتي”، لكنّها كانت تلوي على أوسع من مسوّرتها القديمة، وأوسعَ مما تناثر من بيوت بعد سقوط السور.
لها تمدّد أخضرُ هائل المساحة عُرف، سابقاً، بـ “سَيحة التوبي”. وكلمة “سَيحَهْ” اصطلاحٌ زراعي قديم يدلُّ على مجموعات من البساتين مرتبطة، كلها أو بعض منها، بنظام ريٍّ متّفق عليه. ولذلك كانت القرية الصغيرة جزيرة عمرانٍ صغيرة وسط بحرٍ من سواد النخيل..!
تغيّر وجه التوبي كلّياً، شأنها شأن قرى القطيف الأخرى. ولم يحل ذلك دون الحفاظ على هوية الريف فيها. وغربيَّها تصطفُّ جنان النخيل مسيّجةً بالزّنك، مُحْياةً بفلّاحين جادّين في كدّ الحرث والزرع، وتتبُّع أطباع المواسمِ وأمزجة الأنواء. وليس على قريةٍ شاعرةٍ أن تكون أكثر من حالٍ كهذه؛ حين يرتبط التوصيف بفكرة الأرض والإنسان. الأرض في سُمرتها، والإنسان في عرَقه..!
فكرة أن يبرعَ أبٌ في أن يتعلّم أبناؤه، وينخرطوا في أعمالٍ حرّة أو وظائف رتيبة، ويحتفظوا ـ في الوقت نفسه ـ بروح “النخلاويّة” الصميمة، ويمثّلوا هذه الروح في جزءٍ غير يسير من جدول اليوم ونشاطه. هذه الفكرة تبدو مطبٌّقةً كثيراً في التوبيّ. وقد يتخطّى الأمر الأبَ والأبناء، ليصل إلى أمّهاتٍ يعرفن كيف يوجدْنَ مساحةً للشراكة مع الرجل في نشاط الريف. يمكن القول إن الفلاحات التوبيّات أكثر نساء القطيف مشاركةً للرجل الفلاح في كدّه وكدحه. أو لنقل إنهنّ ما زلن في مقدمة الريفيات في هذا الصدد.
الفكرة الشاعرة، فكرة الأرض والإنسان، أصيلةٌ جدّاً في قرية/ بلدة التوبيّ. وعلى قدرٍ طريٍّ للغاية. على قدرٍ يُنبّه إلى أن هذه القرية، المتاخمة لغربيّ مدينة القطيف، شاعرةٌ، بصدق وثراء، أكثر مما تبدو عليه..!
حبيب محمود
12 أبريل 2017