“عقيلية”.. صوت شجىً أعطى المنابر 50 سنة من حياته رحلت في يوم خميس مثل هذا اليوم قبل 8 سنوات

القطيف: ليلى العوامي

في يوم خميس مثل اليوم تماماً؛ من عام 1434؛ رحل صوت “عقيلية”، فاطمة بنت إبراهيم حسن العقيلي التي عُرفت واحدة من أعلام نساء جزيرة تاروت، تاركة فراغاً كبيراً.

بصوتٍ شجي وبلكنة عراقية مميزة، عُرفت “عقيلية”، واشتهرت في محافظة القطيف على مدى نصف قرن، معتلية منابر الحسينيات، تلقي خطبها على مسامع النساء.

بداية رحلة “عقيلية”
ولدت بجزيرة تاروت وانتقلت أسرتها من تاروت إلى بلدة الربيعية، واستوطنت فيها فنشأت في ربوعها وتعلمت القرآن الكريم وأساسات فن الخطابة على يد نورية بنت جعفر الضيف، التي اكتشفت فيها أسلوباً مميزاً في القراءة بطريقتها الخاصة.


الأمومة والخطابة
تزوجت الخطيبة في سن مبكر، لتنتقل للعيش مرة أخرى في تاروت لفترة وجيزة، ثم العودة إلى بلدة الربيعية، وقد رُزقت بستة من الأبناء وأربع من البنات. مسؤولية الأمومة لم تمنعها من الخطابة في المجالس، واعتبرت أن هناك عاملاً مشتركاً بين الخطابة والأمومة؛ التفهم.

فقد الأحبة
لم تخل حياة “عقيلية” من فقدان عزيز، أثناء الأشهر الثلاثة الأولى للزواج فقدت والدها، ظلت العلاقة بين “عقيلية” ووالدتها في تناغم، حيث كانت آمنة أحمد العقيلي، اليد الحانية التي تربت وتشجع وتدعم.
رغم أن فقدان إبراهيم حسن العقيلي، كان كبيرًا على قلب مشايخ تاروت، حيث اشتهر بأنه “رجل مضياف”، حسبما وصف الخطيب الحسيني الملا عبد الرسول البصارة “رحمه الله”، وهو من أكبر خطباء القطيف، راويًا عنه “أعد وليمة في إحدى المناسبات كانت تجمع جميع الأصناف”، مثلما كان بيت العقيلي يعج بالضيوف.

والدان كريمان

ما عرف عن والدتها الحاجة آمنة ليس أقل مما عرف عن والدها، فقد عرفت والدتها بإكرام الضيف، خصوصاً في ايام الحسين، وكان بيتها يعج بالضيوف، إضافة إلى أنها تستضيف ملايتها المرحومة علوية في بيتها طيلة ايام محرم، كما عرف عن المرحومة أم أحمد أنها “امرأة وقور، ذات ستر وحشمة”.

الخطيبة الواعدة 

فرغت آمنة العقيلي، والدة “فاطمة”، طاقتها من ألم فقدان زوجها، في توجيه العديد من الملاحظات لـ”الخطيبة الواعدة” آنذاك، كان هدف الأم أن ترى ابنتها على المنبر النسائي.
طورت الخطيبة من الأسلوب والنطق، لتشكل هاتين المهارتين زادها في رحلتها للاستعداد للدور الذي هيأتها له والدتها، في تطوير المجالس النسائية، ويصبح مجلس “عقيلية” مقصدًا للنساء للتعلم والاستفادة.

بدايات الانطلاق

من مأتم أم احمد أبو ناصر العقيلي (مأتم بيت أبو ناصر)؛ كانت الانطلاقة، كانت تقرأ جميع المناسبات الحسينية فيه ليلاً. وتميز هذا المأتم بأنه محط أنظار الناس؛ فبرعت في الخطابة، واشتهرت بها، وذاع صيتها في عموم القطيف، فصارت لها المجالس العامرة بالنساء في قرية الربيعية، تاروت وسنابس، كذلك على مستوى القطيف وقراها، حتى وصلت إلى سيهات وصفوى. وامتازت الخطيبة الحسينية بقدرتها الفائقة على تصوير المصيبة للمُستمعات، ليعشن معها الأحداث بكل مشاعرهن.

مجالسها 

كان للخطيبة مجلسان في الليل، هما مجلس أم أحمد أبو ناصر (الناصرية) في الربيعية، ومجلس المرحوم الحاج علي مكي العباس في سيهات، وفي الصباح اثنين؛ مجلس مأتم المرحومة أم سمير معيلو في تركيا ووالدها؛ حسينية سيد الشهداء في الربيعية، وعصرا كان مجلس أبو الأحرار في سنابس.

عقلية فذة 
امتلكت “عقيلية” موهبة مهمة؛ التعبير البصري بالكلمات، لتكون جملها الناطقة بها كالأسهم التي تخترق القلوب والعقول، فتشعلها حُرقة وفكرًا، وتصور الأحداث لك لتعيشهن بكل مشاعرك، حتى صارت محطاً للأنظار، ويقبل على خطابتها النساء من مدن القطيف وقراها وبلداتها.

بلسم الروح

هكذا كانت تطلق “عقيلية” على المناسبات الدينية الخاصة بأهل البيت، أثرت خطابة 50 عاماً على صوتها، لكن ذلك لم يمنعها من الانشغال عن حبها للوعظ الديني الذي بدأته منذ أن كانت في سن الـ14، وفتحت أبواب بيتها للمجالس النسائية ليكون “خلية النحل” أيام المحرم، من خلال توزيع المهام على أفراد الأسرة. عُرِفت بحبها للناس، وسعت إلى تزويج الشباب خاصة الفقراء منهم، هكذا كانت أماً للجميع.

الرحيل الموجع
في مساء الخميس الموافق 19 ربيع الأول 1434هـ، أي قبل ثمان سنوات، قضى أهالي القطيف ليلة حزينة، بعد انتشار نبأ وفاة “عقيلية”. نعاها أحبتها بقولهم رحلت “أم الجميع”، في ظهيرة يوم الجمعة 20 ربيع الأول 1434هـ، كان تشييع جنازتها حاشداً مهيبًا.

خرجت من حسينية سيد الشهداء، مروراً بشارع طويل اكتسى بالحزن والبكاء، نساءً ورجالاً، بدءاً من مسجد الفتح في الجهة الغربية، حتى الشارع العام، وصولاً إلى مسجد الإمام علي في الربيعية، حتى مقبرة تاروت، وكانت بمشاركة عددٍ من الشخصيات الدينية في البلاد، أبرزهم الشيخ عبدالرسول البيابي، والشيخ فتحي الجنوبي.
وصلى عليها السيد صالح بن سيد سعيد بن السيد صالح آل نصيف، وألقى الشيخ عباس المحروس أبيات شعر في رثائها، وعبر عنها محبوها “برحيلها فقدت تاروت علماً من أعلام المنطقة وأحد رموزها النسائية المثقفة والواعية””.

تعليق واحد

  1. رحمة الله عليها الجارة خادمة الحسين عليه السلام
    ٨ سنين كأنها بالامس، رحم الله من قرأ لروحها الطيبة الفاتحة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×