[جولة] سوق السمك.. كأنك يا وزارة العمل “ما غزيتي”…! عاد العمال المخالفون إلى احتلال الحراج والبيع بالتجزئة
ساحة مفتوحة.. يحيطها التستُّر بالأسرار.. والأسوار
القطيف: حبيب محمود
على قدر ما يبدو السوق مفتوحاً وبلا أسوار؛ يكشف مجردُ دخوله عن أسوار وحواجز وأسرار وخفايا، تحول دون إيجاد حلّ حقيقي لمعضلة تغوّل العمالة وهيمنتها على جزء مهم من دورة العمل. إنه سوق الأسماك في القطيف، حيث تحدّث آحادٌ من السعوديين عن مشكلة العمالة، وكأنهم يتحدّثون عن حساسيات اجتماعية. كأنْ لا أحد يريد التحدث، وفي الوقت نفسه؛ يُريد ـ ولكن ـ دون تصوير أو تسجيل، أو ذكر أسماء…!
ضربة تفتيش…!
في العاشر من أبريل الجاري؛ نفذ مكتب العمل في القطيف وجهات أخرى مداهمة نوعية. ليلتها؛ تفارر العمّال من كل الجهات المتاحة، لكن فريق المداهمة نجح في الإيقاع بـ 90 عاملاً مخالفاً، طبقاً للبيان الذي بثّه مكتب العمل ليلتها. هذه الليلة، وبعد 15 ليلةً من “الضربة” التي “نفضت” المكان؛ بدا السوق وكأن كل مخالفٍ فيه آمنٌ تماماً من أي إجراء. وهذا هو المعنى الذي قاله البائع حسين علي ياسين، من بلدة الملّاحة الذي قال “بعد الحملة صار الهنود أزيَد من الأول”، وأضف “عاد العمّال المخالفون إلى أماكنهم وصاروا يشترون من الحراج ويبيعون في الممر”.
في المزايدة
كلام آل ياسين له ما يدعمه في ساحة الحراج. في الممر الذي يشطر الساحة إلى نصفين، شمالي وجنوبي، يصطفّ العمّال الأجانب شطرين متقابلين. يعرضون أسماكهم التي اشتروها من الحراج، أنواعاً وأصنافاً. آل ياسين يصف سمكهم بـ “الخايس”، وهي تُهمة قد تصحّ وقد لا تصح، خاصة أنها موجّهة من منافس يشعر بالغبن من مزاحمة مصالحه من قبل عمّال أجانب ومخالفين.
آل ياسين يرى أن السعوديين متضررون فعلاً بمزاحمة العمالة المخالفة.
وبلكنته العامية قال “يضرّونّا واجد”، وموقع الضرر هو مكان المزايدة، حيث تأتي البضاعة وتُعرض في “الحراج/ المزاد”.. يبتعد السعوديون حين يضع الأجانب أسعاراً أعلى في المزايدة.. وهكذا ترتفع أسعار الأسماك في آخر نقطة بيع بالتجزئة..!
ممر المخالفين
في موقع آخر؛ أفضى بائع آخر بـ “حَرَّتَهْ”. قال إن اسمه “أبو حسين”، ومن الكويكب. كان يُشير إلى الممر الطويل، مطالباً بحساب عدد السعوديين الموجودين.. ثم علق “ما بتشوف أحد”. وهذا ما يبدو فعلاً. وجوه آسيوية تتخالط ملامحها، كما تتخالط أصواتها، كما تتخالط أسماكها. آسيويٌ آتٍ ساحباً من خلفه ثلاجة تحرك الماء البارد على أرضية الحراج. آسيويٌ آخر ذاهبٌ في اتجاه معاكس. مشاهد الباعة والمشترين تتداخل في مفاصلات الأسعار. ابحث عن بائع سعودي.. “ما بتشوف أحدْ”، كما قال البائع أبو حسين.
عمك خالك
جاسم أحمد آل ياسين بائعٌ أيضاً. نقطة تذمّره تتركز وتكبر عند الحديث عن “المزاد”.. “السعوديون قليلون”. هو موجود في السوق منذ 12 سنة. “إلّلي حاصل هو أن الأجنبي يزايد أكثر”. وما حدث عن المداهمة الأخيرة؛ هو “عمك خالك”، على حدّ تعبيره. ويقصد بذلك أن الذين هربوا أو قُبض عليهم عادوا إلى حيث كانوا في السوق.
لن يتغير شيء
إلى جانب منه شابٌّ مفتول العضلات. بدت نظراته حادة، وهو يُصغي إلى حوار “صُبرة” مع آل ياسين. في البداية توقعنا في إصغائه استعداداً للإدلاء بشهادة. لكن على العكس. رفض الحديث تماماً. إلا أنه قال “قبلكْ جا ناس وناس وناس وصوروا وتكلمنا.. وما تغيّر شِيْ”. وأضاف “عمال بلدية، سواقين، عمال مكاتب.. كلهم يجوا المغرب ويشتروا ويبيعوا ولا حَدْ وراهم”.
احتدّ صوته أكثر “أشتري العندق بـ 40 من الحراج.. بكم أبيعه في محلي..؟”. أضاف “حتى 5 ريال ما أربح”. كان يُشير إلى ما يحدث في الحراج من تزاحم وقت المزايدة.. الأجانب تدخل وتنافس، وتضع أسعاراً فوق أسعار السعوديين. في النهاية يظفر بالبضاعة صاحب السعر الأعلى. ينسحب السعودي لأنه لن يربح طبقاً لحساباته، فيما يربح الأجنبي “المخالف”، لأن هامش الربح يناسبه.
كان الرجل يكرر ما معناه أن وضع السوق لن يتغيّر. لكنه لم يُفصح إلا عن امتعاضه تجاه الأجهزة الرقابية التي تأتي وتغيب، بين فترة وأخرى.
كأنك ما غزيت
لكن بائعاً آخر تحدث بصراحة أكثر.. “من اللّي جايب العمّال..؟”. كان تساؤله مسبوقاً برفض الحديث. رفض التصوير وتسجيل الكلام. قال “أبغى أتكلم وياك ودّي.. حتى اللي زعلانين من العمال عندهم عمّال.. ولو تكلمت بصراحة بيزعلوا، وبيعادوني”. تحدث عن ليلة المداهمة.. وصف الفرار الجماعي، وزحام الدوريات، والإمساك ببعض العمال.. “السوق كله أجانب”، والكفلاء كلهم “أولاد جماعتنا”.
الرجل الذي لم يفضل الإفصاح عن هويته؛ اختصر كلّ شيء في ساحة سوق الحراج. فلتأتِ حملة “وطن بلا مخالفة” الليلة، أو ليلة الغد، أو التي بعدها.. أو في أي وقتٍ تريد.. وجود العمالة المخالفة بهذه الكثافة مستمرّ بفضل العاملين في السوق أنفسهم.. أو بفضل أناس من المجتمع نفسه.. أو مؤسسات موجودة في المجتمع. ولهذا ستنتهي كل مداهمة إلى نتيجة واحدة: “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”.. أو: كأنك يا وزارة العمل “ما غزيتي”..!
اقرأ أيضاً
للأسف أن المحسوبيات هي من تصنع الفارق عندما تجتهد الجهات الحكومية والرقابية
صادقين والله
سوق السمك من كثر العمال الاجانب اللي فيه صار الواحد مايحب يروح
تعرف ان السمك من ذاك الزود يخلطوا القديم بالجديد
ولاحسيب ولا رقيب عليهم
آخر مره اشترى صاحبي منهم ما دش البيت ….. على طول
من الريحه اللي في السمك … رماه زباله
حتى إحلا ما يصلح