“السماور” من قصور نبلاء روسيا إلى مجالس القطيف.. شفاه لا ترتشف الشاي إلا مُخدراً جلبه تجار من العراق وتركيا فأصبح "لذة" جلسات الليل
القطيف: نداء آل سعيد
ربما لم يسمع الحاج أحمد المهر، عن يوم الشاي العالمي، الذي يصادف اليوم (الثلاثاء)، لكن أبو سعيد يتكي كل ليلة في مجلسه، يسامر “السماور”، منفرداً، أو بحضور أصدقاء.
“السماور” وعاء ذو تجويف مملوء بالماء يعلوه وعاء مجوف آخر أصغر منه، يملأ بالماء ويضاف إليه أوراق الشاي. ويوقد “السماور” بالفحم والغاز سابقاً، وحديثاً بالكهرباء، إذ يخمر الشاي لتستخلص منه نكهة طيبة، لذلك فهو يحتاج لمهارة خاصة للوصول للنتيجة المطلوبة حسب تركيز الشاي ورغبة الشخص.
المهر المتقاعد من القوات الجوية منذ عام 1430هـ، من هواة الشاي وعشاقه، يقول لـ”صُبرة” “عمل الشاي فن وذوق، وأنا شخصياً أفضل الشاي في السماور، كما هو حال بعض الشياب من أمثالي”، مبيناً أنه أفضل من شاي “الترمس” أو الدلة؛ “فشاي الدلة مع مرور الوقت يتغير لونه وطعمه وذوقه، أما السماور فيختلف عندما نصبه ونغطيه بقبعه، ثم يخدر به على فيشتغل قليلاً ويفصل قليلاً، ونغير الماء الساخن الذي يُخلط بالشاي المخدر، لتخفيفه كل فترة، لتفادي ترسب الأملاح”.
ديوانية ليلية
الديوانية التي يجلس بها المهر مع زملاءه قبل تقاعده من القوات الجوية في الظهران، ما زالت مفتوحة لاستقبال الضيوف من الثامنة مساءً إلى 10 ليلاً، وبعدها يفترق الجمع.
عدد الاستكانات التي يقدمها أبو سعيد كل مساء يختلف من شخص إلى آخر، حسب حجم الشاي المُقدم بها، فأما صغيرة أو متوسطة أو كبيرة الحجم.
يشرب المهر الشاي في استكانته الصغيرة، بمعدل 2 إلى 3 استكانات، يقول “كان السماور في البداية يُعد على الفحم، ثم تطور مع الزمن، وأصبح بالكهرباء، وأنا مع القوم يا شقراء”.
المعلم المتقاعد حسن السنان.
صندوق “الصنجقجه”
في مجلس آخر من مجالس القطيف، يتكي حسن أحمد السنان، وإلى جانبه أنواع من “السماور”، فهو يهوى جمع المقتنيات التراثية.
“سماورات” السنان متعددة الصنع، منها المصنوع من النحاس، الحديد، والصين القابل للكسر، يقتنيها مع الاستكانات القديمة المتنوعة التي يحفظ بعضها في صندوق يسمى “الصنجقجه”، يفوق عمره قرن.
يقول لـ”صُبرة” “كان شاي السماور يُعد سابقاً على الفحم، ثم جاءت الكهرباء. ولم أر سماور بالغاز، إلا إذا كان الشاي معمولاً على “أم الفتل” مخدراً في غوري منفرد”.
أصول عراقية وإيرانية وتركية
لعقود عمل السنان مدرساً لمادة التربية الفنية، في مدرسة الواحة في العوامية، حتى تقاعده، درس خلالها أجيالاً منذ عام 1383هـ، ويهوى التراث والرسم، وأسس متحفه الذي ورث مقتنياته من أبيه، ثم عمل على توسعته، وإضافة المزيد من التحف والرسومات والأعمال الفنية ذات الطابع التراثي.
يقول “الشاي مهم جداً في مجالس الأغنياء والوجهاء، وفي السابق كان الشاي يقدم بهذه الطريقة المثلى لاستقبال الضيوف والوفود، فالشاي والقهوة شيء أساس ومهم في المجالس”.
“السماور” – كما يقول السنان – كان “لا يقتصر على الديوانيات والمقاهي، ففي بيوت الأغنياء والشخصيات كان يقتنى هذا النوع من الشاي، فوجوده كان مهماً جداً”.
يرجح المعلم المتقاعد السنان، أن “السماور” وفد إلى القطيف من العراق، إيران، وتركيا “أتى به التجار المسافرون إلى تلك الأماكن، واستوردوا الشاي من الهند وسيلان، ولا أعلم إذا ما كان الشاي قد زرع في القطيف أم لا”.
مشروب القياصرة والنبلاء
عادة تخصيص ركن في المنزل للمشروبات الساخنة ليست موضة حديثة، بل هي من الطقوس الاجتماعية المعروفة منذ القدم. نشأت هذه العادة عند الروس عام 1717، حين استخدمت العائلة القيصرية والنبلاء موقد “السماور” لعمل الشاي، قبل أن تنتشر إلى بقية البلدان عام 1900.
و”السماور” له أنواع وأشكال وأحجام متعددة، حسب سعة عدد اللترات، ويتفاوت من لتر واحد، إلى 400 لتر، وكذلك حسب مكان الصنع، والشكل المعدني وأنواع الزخارف التي تزين هذا الوعاء، الذي يجمع الأصدقاء والأحبة حوله في المقاهي وأماكن الاجتماعات. ويرافق “السماور” استكانات الشاي التي تكون جزءاً من هذا الطقس الاجتماعي.
ومواقد “السماور” الحديثة من الغاز والكهرباء؛ احتفظت بطقس الشاي المخدر، إلا أن موقد الفحم هو الأطيب والأروع من بينهم، إذ تختلف الصناعة هذه المواقد حسب البلدان التي مرة بها “السماور” من روسيا، تركيا، إيران، العراق، وحديثا الصناعة الألمانية واليابانية.
بغداد.. والشاي المُخدر
أرتبط “السماور” ببغداد، ودخل منها إلى البلدان العربية، والشاي المُخدر ليس نكهة طيبة للتذوق فحسب، وليس مقتصراً على تعديل مزاج شاربيه، إنما هو تكريم للتقاليد أيضاً، فهو يمر في مراحل الإعداد والتحضير من تعتيق أوراق الشاي وتحميصها ثم يتم تخديرها في “الغوري”؛ إكراما للرفقاء والأصحاب فهو عربون صداقة للكثير من اللحظات، مما يترك أثراً طيباً من حسن الضيافة.
“السماور” آنية من آسيا الوسطى لغلي الماء وتحضير الشاي، لا يزال في بعض الأعراف ضرورة من ضرورات المنزل التقليدي ويعتبر عنصر أساسي وهام لجهاز العروس في بعض الثقافات.
جميل الموضوع..وجميل تسليط الضوء على التراث وعبق الاجداد…
الله يخلي لينا الوالد الكريم ابو حسام.. محب للقطيف والتراث والناس.. اعطى من حياته في التدريس وهو من اوائل المدرسين في المنطقه.. وعلمنا الكثير عن الماضي، وحبه للتراث جذبنا فأحببناه..
اجد انه من الخطأ الفادح تقديم فنان قدير من اوائل فنانين المنطقة له العديد من اعمال الرسم و الخط وتتلمذ على يديه العديد وان اقتصر على تقديمه بالمعلم المتقاعد فقط !
الفنان القدير الاستاذ حسن السنان