ثاني ممرضة سعودية في صفوى: ممرضات اليوم.. مجرد “موظفات” أمي اعترضت على قراري.. والأجنبيات حاربننا خوفاً على عقودهنّ
صفوى: أمل سعيد
أول ممرضة سعودية عملت في مستشفى صفوى العام. وثاني ممرضة أنجبتها مدينة صفوى، بعد المرحومة سهيلة دهيم.
بعد أكثر من 27 عاماً من العمل؛ قرّرت التخفّف من “الوظيفة” لتستمرّ في “المهنة”. تقاعدت من العمل الحكومي، لتؤدّي دوراً جديداً كمتطوعة في التثقيف الصحي، عبر الفعّاليات الاجتماعية.
أمل الداوود التي وجدت معارضةً حادّة من داخل عائلتها ضدّ مهنة “التمريض”، قبل أن “تنتصر” لقرارها، وتخوض التجربة حين كان التمريض تمريضاً، والمهنة مهنة، والأداءُ أداءً.
التقتها “صُبرة”، لتستطلع تجربة جيل ممرضات أواسط الثمانينيات.
على مضض
في البدايات ألق ليس في سواها، كما أن للبدايات الكثير من المتاعب والتحديات والصعوبات التي لا يعرفها المتأخرون. الطريق لا يكون سالكا إلا بعد نقش خطوات المغامرين، واقتفاء أثرهم. والتمريض، في بدايته، كان الجديد المجهول الذي يتطلب أكثر من الجرأة والإرادة لاقتحامه وبالخصوص إن كان الاقتحام بخطوات أنثوية.
المجتمع محافظ ولا يقبل وجود امرأة وسط رجال، ولا أن تكون خارج بيتها في ساعات الليل المتأخرة.
كانت هذه أبرز العقبات التي واجهتها أمل الداوود، فمنذ اللحظة الأولى التي قررت فيها أن تدخل معهد التمريض كان لابد لها أن تشرح وتبرر وتدافع عن خيارها.
تقول “كانت أمي معارضة وبشدة لالتحاقي بمعهد التمريض. حذرتني مراراً من متاعب هذه المهنة ومشاكلها. ولما لم تجد بُدَّاً، وبعدما تأكدت أنني مُصرّة على خوض التجربة.. قبلت على مضض”.
مُسعفة صغيرة
وعن سبب اختيارها مهنة التمريض رغم ما كان يحيط بها من متاعب؛ تقول “ كنت منذ صغري وفي أثناء لعبي أميل لأخذ دور المسعف، فلما كبرت اخترت ما أحب. التمريض مهنة إنسانية، مليئة بالعطاء. وكنت أجد في نفسي هذه المقدرة؛ فكان هو نافذتي على المجتمع”.
التحديات تباعاً
كانت الداوود أول ممرضة سعودية تعمل في مستشفى صفوى العام؛ لذا لم تكن وجوه الممرضات الأجنبيات/ غير السعوديات مرحبة بها في البداية.. ربما لأن هذه الخطوة تتبعها خطوات. وهو نذير بقرب انتهاء عقودهن، فبنينَ سورا بينهن وبين القادم الجديد الذي سيأخذ من حصتهن أو مكانتهن.
هكذا كانت تفكر الداوود سنة 1407 حينما استقبلتها زميلاتها الأجنبيات ببرود مخيّب لآمالها. لكن الإصرار الذي كانت تحمله كان كفيلاً بأن يهدم ذلك السور، فحب الآخرين والمعاملة الطيبة كان سلاحها لتذويب مخاوفهن.
وكما استطاعت الممرضة السعودية أن تبني جسراً بينها وبين الممرضة الأجنبية أيضاً؛ استطاعت أن تنتزع المخاوف من رؤوس المراجعين، وأن تثبت لهم أنها كفؤ للمهام التي تقوم بها.. “ في البداية كان المريض يشعر بخوف وتوجس إذا استلمت تمريضه ممرضة سعودية، وهنا جاء دورنا ليرى الناس أن في مقدرتنا إثبات أننا قادرات على أداء مهماتنا و جديرات بثقتهم. فبدأ تقبل الناس للممرضة السعودية شيئاً فشيئاً إلى أن أصبحت السعودية هي المطلوبة.. تأتي المريضة وتطلب أن تمرضها سعودية”.
صحيح أنهم ـ في البداية ـ لم يكونوا يفضلون وجود السعودية في مكان مختلط ” لكن هذه النظرة سرعان ما تلاشت”. تضيف “في تجربتي الشخصية فأنا أرى أن الممرضة إذا كانت ملتزمة حدود مجتمعها ومحافظة على نفسها فلن يؤثر فيها شيء.. وهذا يكفي”.
5 في 1
أن تشتغل بالتمريض في ذلك الوقت الذي تعاني فيه المستشفيات من نقص العاملين يعني أن تكون لك يد في كل مكان في المستشفى، فلا يكفي أن تساعد الطبيب في فحص مريضه، ولا أن تُمرّض مراجعاً. بل لا بد أن تكون ممرضاً وصيدلانياً ومخبرياً، وكل ماله علاقة بالمريض من لحظة دخوله إلى حين مغادرته.
ترى الداوود أن ممرضات جيلها كان عليهنّ أن يكنّ كل ذلك في واحد. تضيف “ كانت الممرضة تساعد الدكتور في الفحص، ثم هي من يصرف الدواء للمريض، وترافقه إذا كان له تحويل، وهذا ما بنى جسراً من الثقة بين المريض و ممرضته“.
معاناة جيل الأوائل
وتجمل الداوود معاناة الممرضات الأوائل في نقاط:
1- التحقنا بمهنة التمريض ومازلنا صغيرات، فكان تبديل الورديات من أهم الأشياء التي كنا نعاني منها.
2- أيضاً كون الممرضة تمر بجميع عيادات وأقسام المستشفى، كان لابد لها أن تكون ملمة بكل ذلك: الضماد والإسعاف و صرف الأدوية ومتابعة الحوامل والتثقيف الصحي، وتعدد المهام يتعب الإنسان.
3- عدم تفهم المراجعين للأنظمة، فلم يكونوا يلتزمون بنظام الدور والمواعيد، وكانوا يلحون على الممرضة السعودية كونها من نفس المدينة أن تفعل المستحيل كي يدخل المريض إلى الطبيب قبل غيره، أو حتى دون موعد وخاصة من الرجال.
4- عدم تقدير سنوات الخبرة للجيل الأول، وحتى من طاقم العمل، فخريجة جديدة ترى نفسها أرفع و أحق بالامتيازات، فقط لأن شهادتها أرفع، وتضرب بكل سنوات الخبرة عرض الحائط. تزايد عدد السعوديات شيئاً فشيئاً، في المستشفيات ومراكز الرعاية، لكن الأمر احتاج إلى سنوات طويلة. الفرق بين الجيل الجديد من الممرضات وبين الجيل الأول؛ هو أن الجيل الجديد جاء على الجاهز. نحن حرثنا وغرسنا البذرة وكنا ننتظر ثمار غرسنا. لكن الجيل الجديد جاء ليشارك في قطف الثمرة. القديمات كن يتنافسن في جودة العمل. الحاليات كثيرٌ منهن يتعامل مع التمريض على أنه مجرد “وظيفة”.
لم أندم
وبرغم المعاناة والمتاعب التي واجهتها الداوود لكنها تؤكد أنها ما ندمت يوماً على التحاقها بمهنة التمريض، بل إنها وهبتها سعادة ما كانت لتجدها لو لم تكن ممرضة.
بهذه الروح وبهذه القناعة ودعت أمل الداوود المستشفى الذي أمضت فيه ما يربو على 27 عاماً في خدمة المرضى، وبخاصة عيادة النساء والولادة التي احتضنت أصعب وأمتع أوقاتها.
تطوع
تقاعدت الداوود من العمل الحكومي، لتلتحق بالعمل التطوعي، ومن خدمة المرضى في شكله الرسمي والواجب إلى خدمتهم بشكله الإنساني الخالي من أي التزام إلا من حب الناس ورغبة متجددة في العطاء. تفرغت الداوود للعمل التطوعي حيث تشارك في العديد من المراكز والبرامج لخدمة المجتمع، منها:
* مسؤولة اللجنة الصحية في مركز غراس الخير.
* مشاركة في برنامج 1000 زهرة وزهرة.
* مشاركة في حلة محيش وتاروت سنويا في شهر رمضان.
* بالإضافة إلى أنها تستغل حسابها على السناب كمنبر تثقيفي لنشر الإرشادات الصحية ليستفيد منها الآخرون.